لا يمكن إغفال مناقشة الماركسية والإنسانية العلمانية.
يجب أن نلاحظ أيضا أن هذا النقد لا يتعامل مع الماركسية والحركة الإنسانية العلمانية كأنهما حركتين شاملتين بالتبادل. لأن ” الماركسية هي نزعة إنسانية” تتعامل مع الاقتصاد كأساس، بينما تميل الإنسانية العلمانية إلى التركيز على الفلسفة والأحباء.
ترتكز هاتان الحركتان على النظرة الرئيسية الوضعية، الإلحادية، اليوطوبية، النسبية المادية –والتطورية لكن الماركسية في نظرتها المتطورة جدا تقدم وجهة نظر أكثر تحديد.
الماركسية والإنسانية العلمانية غير قادرتين على تقديم وصف للكون من البداية إلى النهاية. المسيحية الكتابية وحدها هي التي تزودنا بوجهة النظر السليمة عن العالم والاشياء الموجودة فيه.
العقل أم المادة:
في البدء كان يوجد واحد من أمرين: العقل أو المادة. إما أنه كان يوجد باستمرار العقل السامي وهو الذي خلق المادة والكون في نقطة محدودة في الزمان، او أن المادة خالدة وهي التي خلقت الكون بذاتها. إما أن العقل خلق المادة أو المادة خلقت العقل.
يعلن الكتاب المقدس – أن الله سرمدي. وأنه خلق العالم المادي وسكانه (تك 1) ويقول أن العالم المادي كان في فكر الله قبل أن يقوم بعملية الخلق (يو1: 1-3) تنكر الماركسية والنزعة الإنسانية العلمانية هذه الإمكانية نفسها بخصوص قصة الكتاب المقدس عن بداية الكون. ولكنهما تتمسكان بأن المادة خالدة وتحركت من حالة نظام وجهته الصدفة. أي ان المادة التي كانت في الماضي محزومة عند نقطة حسابية تبعثرت بواسطة ضربة قوية، نظمت نفسها إلي مثل هذا الكيان المنظم. تؤمن وجهات النظر غير المسيحية أن الكون كان ميتا ثم بعثت فيه الحياة- أن المادة العضوية، أخذت الوقت والطريقة الكافية في فترات من الضباب الكثيف فأنتجت الأميبا، الطيور، كلاب البحر القاضمة. أكثر من ذلك تعتقد الماركسية والإنسانية العلمانية- أن المادة الميتة غير المنظمة قامت بتكوين الإنسان، ككائن قادر علي الاختراع. لا يتفق الإيمان المسيحي بأن مثل هذا التنوع والتعقد قد نشأ بالصدفة.
هذه واحدة من أبرز ضعفات الماركسية والحركة الإنسانية العلمانية- إنها تطلب من الإنسان أن يؤمن أن الحقيقة التي تتحرك من النظام إلى عدم النظام (بحسب القانون الثاني للديناميكية الحرارية) تحركت تماما في الاتجاه العكسي في ملايين السنين في الماضي. ويجهل كل من الماركسي وتابع الإنسانية العلمانية أو بغفل الطبيعة الغائية للكون والمعجزة البشرية في محاولة تغطية هذا العجز. ووصف البشرية ” كفكرة تلوية “
يقدم جورج روتس مثالا رائعا للتكوين الراسخ المعلن في عالمنا وهو يصف طبيعة البشر الخاصة.
الإنسان حيوان غريب جدا – ليس لأنه يوجد شيء معين غريب في تركيبنا العضوي لأن هذا أمر مقبول تماما. لكن الغوريلا لها أيدي نظيرنا لكنها تستخدمها قليلا جدا- لا نفعل ذلك إطلاقا في العزف على البيانو أو تخطي الأحجار أو تستخدم سكينا أو تكتب خطابات. الدرفيل له مخ أكبر مما للإنسان لكن لا نسمعه يتحدث عن الانشطار النووي. الشيواو (الكلاب صغيرة الحجم) لها شعرا لكنها لا ترتدي ملابس…الانسان وحده هو الذي يبكي من أجل قضاياه. ويضحك، كما يصفه شيسرون. يرغب تابعو النظرة العلمانية في أن يتجاهلوا طبيعة الإنسان الفريدة، لأن أيدولوجياتها لا نستطيع أن تقدم عنه التبرير الدقيق. وجهة النظر التي تؤكد سيادة المادة لا تستطيع أن تشرح هذا المخلوق الفريد المتميز عن باقي المملكة الحيوانية.
من الجانب الأخر، تذكر وجهة النظر المسيحية، طابع الإنسان الفريد تك 1: 26 “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون علي سمك البحر وعلي طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب علي الأرض”. وبنفس الحالة تعلن وجهة النظر المسيحية باقي الخليقة في الطبيعة لأنها تبدأ بالخالق. بينما تعتمد نظرة الحركة الإنسانية والماركسية على الفرصة والمادة لتفسير الطيور في هجرتها والنمل الذي يتواصل في الرقص، يضع المسيحي الله السامي الذي نظم الكون في سيمفونية جميلة من النور، الحياة، الصوت واللون. ” السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه” (مز 19: 1) كل من ينظر إلي الطبيعة يري التصميم والتنظيم المادي ظاهرين.
هل جاء الذكاء، البهجة، والتصميم من إله عاقل حيً يحب النظام والبهجة، أم أن هذه الأمور جاءت عشوائيا من المادة؟ تتطلب الحقيقة القانونية المصممة جيدا أصلا يزودنا بأساس هذه الخواص. وهكذا يجد المسيحي المفتاح في يو 1: 1-5.
“في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه”.
العقل فوق المادة؟
المشكلة الكبرى التي تواجهها الماركسية والإنسانية العلمانية بخصوص أصل الأشياء هي وجود العقل- المصطلح الشامل الذي سوف تستخدمه في كل الصفات فوق الطبيعة للإنسان، شاملا الضمير، التفكير، النفس والروح. قد يقبل الإنسان الساذج نشأة الحياة والنظام من مادة غير حية، لكن أكثر الناس دهاء لا يمكنه أن يبتلع انبثاق العقل البشري– الذي حطم الذرة من عمل الصدفة في المادة. لسؤال هل العقل خلق المادة أم أن المادة خلقت العقل؟ – هل العقل السامي غرس في الفكر البشري التقدير للجمال، القيمة والضمير أم المادة التي لم تعرف الحياة إلى الأبد؟
من الواضح أن هذا تصدع رهيب في فلسفة الحركة الإنسانية العلمانية والماركسية. بينما تعلن النظرة العلمانية أن المادة هي الحقيقة العظمي وأن العقل هو انعكاس باهت لهذه الحقيقة، فإنها تواجه بعمل عقل الإنسان الرائع. وأكثر من ذلك يوضح الاختبار أن العقل يعمل بصورة خلاقة في المادة وليس العكس. الاقتصاد في العقل كسابق في الأهمية لتداول المال، البضائع والعمل. إذا كان البشر يدركون الأشياء في عقولهم ثم يعملون بمثل هذا الإبداع، ألا تتوقع أن يسبق العقل السامي المادة؟ الفرصة الوحيدة التي تهتم فيها النظرة العلمانية في معاملة العقل كعضو مهم هو في إشارتها إلى النظريات التي ابتكرتها عقولهم هم.
هناك شك رهيب بخصوص اقتناعات العقل، التي تطورت من عقل الحيوانات الدنيا في أن يكون لها أيه قيمة أو إذا كانت جديرة بالثقة. هل يثق أي إنسان في اقتناعات عقل الفرد إذا كان يوجد اقتناعاتك في هذا العقل؟ أكثر من ذلك، هل يثق أي إنسان في عقل يصور أسلافه إلي ما هو أبعد من عقل القرود، إلي أميبيا بلا عقل وإلي مادة موضوعية غير عضوية وبلا عقل؟ أعلن كارل ساجان الأمر واضحا في كتابه – الكون ان المادة ( أو الطبيعة أو الكون) المادة هي كل ما كان في الوجود أو يكون ، لكن يترك أتباع الإنسانية العلمانية والماركسية بعدد من الظواهر غير القابلة للتفسير التي تكمن تحت السطح. مإذا يمكن أن يعمل أصحاب المذهب المادي بالعقل، النفس، الغيرية، الابداع، المنطق، الضمير، الغناء والضحك؟ قد يحاولون تجاهل هذه الأمور، لكنهم يواجهونها كل يوم. والحقيقة أنهم يعتمدون عليها. قد يصفونها كانعكاسات ثانوية، مشتقة من حقيقة المادة، كيف يمكن أن يوصف فكر المادية الجدلية كوهم بينما يبدو (عند الماركسي) كأقوى حقيقة؟
تقدم الأسئلة حول أصل الأنواع نقطة بداية لمن ينتقد الفلسفة الإنسانية العلمانية والماركسية، لأنها تبرز الضعفات الشديدة في كل منهما في العقيدة والفلسفة. يؤمن المسيحي بأن الإنسان هو أدق جزء لا يمكن تحليله في خليقة متناهية الدقة، لأنه يبدأ بإله شخصي خلق العالم – الرجل والمرأة. ويجب أن يخشع تابعوا الحركة الإنسانية العلمانية وماركسية النظام المادي- أن يعترفوا أن الإنسان لا يمكن تحليله بواسطة مصطلحات مادية.
كان الفلاسفة الكبار – أفلاطون – أرسطو – القديس أوغسطينوس – القديس توما، وليم الاوكامي – رينيه ديكارت– باروخ سبيتوزا – جوتردفون – جون لوك- جورج بيركلي- عمانوئيل كانت وجورج هيجل يؤمنون بوجود الله الواحد حتى ديفيد هيوم الذي تعتقد الحركة العلمانية أنه واحد من اتباعها- أعلن أن “ كل فلك الطبيعة يعلن عن الخالق الذكي ولا يمكن لأي باحث عاقل- بعد التأمل العميق أن ينكر إيمانه فيما يتعلق بالمبادئ الأصلية- للاهوت والعقيدة“.
النظرة المسيحية في العقيدة والفلسفة المسيحية هما أكثر صلابة عقلية عن وجهات النظر العلمانية.