دور العلم
تستند الحركة الإنسانية علي مصادر العلم والمعرفة . يشمل تفسيرها للعلم أي شرح فائق للطبيعة لأي حادث يحدث في الطبيعة بما في ذلك أصل الحياة. بالنسبة للإنسانيين درس العلم هو أن كل ما يحدث في الطبيعة هو “طبيعي” و ليس “فوق الطبيعة ” يعتقد الإنسانيون أن كلمة فائق الطبيعة لا معني لها.
ومن الملاحظ ، أنه عندما يؤكد شخص ما أن العلم هو أفضل طريقة للحصول علي المعرفة وأن العلم ينبغي أن يستبعد كل ما فوق الطبيعة ، لا يستطع الشخص أن يقبل التفسير فوق الطبيعي في أصل الحياة . الإمكانية الوحيدة الأخرى هي التطور الذي يبدأ بالتكاثر التلقائي. يلخص جوليان هكسلي”الأمر هكذا يجب علي العلم أن يسود علي الخلق الخاص أو الإرشاد”
لماذا يجب أن يسود العلم علي الخلق ؟ لأنه كما لاحظنا أن العلم لا يمكن أن يقيس الأمور الفائقة للطبيعة ولهذا فهو غير قادر للحصول علي أي معلومات منها. لكن بهذا التعريف لا يستطيع العلم أن يحكم علي نظرية التطور أيضا . هناك أحداث تاريخية خارج نطاق التفسير العلمي لأنه لا يمكن أن تتكرر الحادثة، فهي حدثت مرة واحدة ولا يمكن ملاحظتها أو اختبارها أو تكذيبها . فلا يمكن اختبار الخلق أو التطور معمليا أو علميا بالمعني الدقيق.
و لا يزال، يصر الإنسانيون علي أن نظرية التطور علمية و أن الخلق ليس علميا . هذا الفكر منغلق نحو الخلق. لخصه ايزاك ازيموف بالقول ” أولئك الذين تدربوا بالعلم ، يبدوا لهم الخلق كحلم مزعج وكابوس مفاجئ ،عليهم تجديد المسيرة حتى يأتي ناهض يتحدي الفكر والاستنارة الحرة”
ويذكر كارل ساجان ” التطور حقيقة وليس نظرية” 6 و يعلن هسكلي ” أول نقطة تتخذها بخصوص نظرية داروين أنها لم تعد نظرية لكنها أصبحت حقيقة ….. لقد شاخت الداروينية و لم يعد هناك اهتمام لتأكيد حقيقة التطور”
لقد شهر البعض بأنطوني فليو نتيجة فكرته أنه كان هناك زمن ” لا يمكن تصديقه” أن يتساءل الفاتيكان عن ” حقيقة تطور أصل الأنواع”
لا تبدو هذه التقارير مقلقة أ ن يعلن الإنسانيون ببساطة أن التطور داخل الأنواع ( التطور الضخم) هو حقيقة ، لسوء الحظ كل من هذه التقارير من نسيج أحد الأفراد الذين يؤمنون بهذا التطور الضخم أو انتقال الأنواع لتصبح حقيقة علمية. لا يعلن الإنسانيون فقط أن العلم يبرهن علي أن الكلاب يمكن أن تتغير وتتطور إلي نسل أضخم وأفضل لأنهم يدعون أن كل الثدييات قد تطورت من الزواحف و أن الزواحف تطورت من البرمائيات وأن البرمائيات تطورت من الأسماك وهكذا حتى الخلية الأولي في الحياة.
وهم يؤمنون بكل قلوبهم بخلاصة داروين أنه حدثت تطورات ضخمة بين الأنواع . كان دارون يربي الحمام ورأي بعض التغييرات، واعتقد أنه يمكن مشاهدة التغيير في الكلاب أو الماشية بنفس الطريقة، وهكذا استنتج أن التغييرات يمكن أن تحدث التطور الأكبر.
ويمكن اعتناق التطور الضخم كحقيقة فقط من أولئك الذين ينكرون ما هو فوق الطبيعي. لم ينادى العلم علي الإطلاق بالتطور الضخم، ولا يوجد دليل علي حدوث مثل هذه المعجزات بحسب سجل الحفريات. لذلك يجب علي المؤمنين بنظرية التطور ( مثلما يؤمن المسيحيون) أن يحيوا بالإيمان وليس بالعيان (1كو5: 7) توافقا مع هذا الإيمان يقف علم الأحياء في الحركة الإنسانية كعدو للأفكار التي ليس لها أساس علمي. تلخص المناقشة التالية هذه الأفكار – سنوالي شرح المشكلات في فصل الأحياء في المسيحية وفي خاتمة الكتاب.
التوالد التلقائي
الفكرة الأولي التي تقبلها أحياء الحركة الإنسانية هي أن الحياة نشأت تلقائيا بعمليات عشوائية وإلا كان علي الحركة أن تؤمن بما هو فوق الطبيعة لشرح شكل الوجود في الحياة الأولي علي الأرض، أي وجود قوة فائقة في تعارض مباشر مع الفكر الإنساني الإلحادي . ولذلك فإنها تتبنى النظرية العلمية للتكاثر التلقائي والفلسفة الطبيعية . نظرية التوالد التلقائي نظرية محفوفة بالمتاعب لدرجة أن قلة من العلماء يعتبرونها نظرية علمية
الاعتقاد في التوالد التلقائي ضروري لنظرية التطور كما يصفها الإنسانيون. ومن الساخر، أن دارون نفسه لم يكن راغبا في هذا الإدعاء بنظرية التوالد التلقائي. لكنه كتب يقول ” ربما تكون كل الكائنات العضوية التي عاشت علي هذه الأرض ، انحدرت من شكل بسيط للغاية الذي فيه تنفست الحياة أولا” 9 كان دارون نفسه يشعر أنه في حاجة للاعتماد علي قوة فائقة للطبيعة لكي يشرح وجود الحياة . لكن لا يمكن لتابع الحركة الإنسانية أن يقبل هذا التنازل . وجود ما فوق الطبيعة له نتائج مدمرة لكل وجهة النظر الإنسانية العلمانية
الفكرة الثانية التي يعتنقها اتباع الحركة الإنسانية هي الانتخاب الطبيعي . الانتخاب الطبيعي هو العملية الميكانيكية التي ابتكرها دارون وهي من خلال المنافسة و العوامل الأخرى كالتبادل ، و الجغرافيا و الغرض الذي يسمح طبيعيا واعتباطيا فقط بأشكال هذه الحياة المنتخبة لتحيا و تتكاثر . في التكاثر تبرز اختلافات دقيقة تجعل من الممكن أن ينقسم الجزيء ، نباتات، أو حيوانات ذاتية. ترتبط هذه النظرية بأفكار” البقاء للأصلح” والصراع من اجل الوجود التي سوف نناقشها لاحقا. يصر ساجان علي ان “الانتخاب الطبيعي هو نظرية ناجحة توضح لنا حقيقة التطور”
اعتمد دارون علي الانتخاب الطبيعي كآلية لنظرية التطورعلي اتساع كبير لأنه شعر أنها شئ سبق أن لاحظه الإنسان من خلال التكاثر . اعتقد داروين أنه من الخطأ أن يربى شخصا حصانا لكى ينخرط في عملية تطور صغيرة. كان داروين مقتنعا أنه ، إذا أعطى وقتا كافيا ، يمكنه أن يستخدم عملية التطورو الانتخاب لتطوير كل أشكال الحياة من حياة الخلية الواحدة .
وكان داروين يعتقد في الحقيقة أن ” الانتخاب الطبيعي يحدث كل يوم وكل ساعة وأنه يحدث في كل نوع حتى أدق الأنواع – يرفض ما هو رديء ويحافظ ويضيف ما هو صالح كتحسين كل كائن عضوي. ”
بينما يتحكم الذي يربي حيوانات (عمدا و ليس عشوائيا) في اختياره حتى يحمل الجيل الجديد من الحيوانات أفضل التحسينات ، أعتقد دارون أن الأنواع العشوائية هي المسئولة عن مثل هذه التحسينات في الطبيعة.
حيث أن هذه هي أعظم الآليات المقترحة في دفع التطور فإن معظم الإنسانيين يقبلونها بنفس الإيمان الأعمى الذي نشره دارون.
الصراع من أجل البقاء
تتأصل فكرة الانتخاب الطبيعي في أن أنواع الحياة المشار إليها المعدة جيدة لتحيا هي التي تكسب الصراع من أجل البقاء. وهذا يشرح الاحتجاج : لماذا صارت أشكال الحياة أكثر استعدادا لتحيا بمرور الزمن؟
يقبل علماء الأحياء في الحركة الإنسانية هذه الفكرة، وهم حريصون علي الاعتراف بها قال لويس لامونت ” عملية الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح ، مع الكثير من المتبادلات التي حدثت عبر مئات السنين ، مسئولة تماما عن أصل وتطور الأنواع”
سبب حرص الكثيرين من اتباع الحركة الإنسانية أكثر من لامونت علي هذا الاعتراف، يكمن في الاستخدام الأخلاقي في بقاء الاصلح : الخير الأخلاقي الوحيد يصير حيا، القيمة الوحيدة في الصراع هي الوجود نفسه وبقاء الأصلح هي التعطش للدماء، لا عناية بالضعيف أو الفقير كما نتوقع. كانت سياسة هتلر وماركس و انجليز مؤسسة علي هذا الاعتقاد ” الأصلح”
توجد أيضا مشكلة أخري في أمر البقاء للأصلح يعرفه اتباع الحركة اٌلإنسانية. يشرحه ازيموف في هذه العبارات ” في المكانة الأولي ليست عبارة البقاء للأصلح عبارة مثيرة. إنها تتضمن أن الذين يحيون هم الأفضل في الحياة ، لماذا هم الأفضل الذي يحيا؟ هذا هو جدل دائري.”بكلمات أخري عندما تقول البقاء “للأصلح ” فإنك في الحقيقة لا تقول شئ يستنتج . إنه حشو كلامي يحمل نفس التعريف
ومن الملاحظ أن علم الأحياء لدي الحركة الإنسانية يحاول أن يتجنب مناقشة الصراع من أجل الوجود كلما أمكن. لكن في الوقت ذاته يحتاج تابع الحركة لنفس النظرية ليشرح الانتخاب الطبيعي في للتطور.
التغيير الأحيائى والتكيف
يقدم اختيار التبادلية في نظرية الانتخاب الطبيعي شرحا للتكيف مع نظرية أخري يقبلها الإنسانيون. يساعد في شرح لماذا يبدو أن أشكال الحياة طورت قدرات خاصة لحياة أفضل وفي بيئة خاصة
بالطبع في قبول التكييف كجزء لآلية التطور ، يجب أن يشرح الإنساني أو يعطي تفسيرا لكل التكييفات التي ليس لها معني في الوجود . يعترف دارون ” لم أكن من قبل أضع في الاعتبار وجود بنيان يقدر أن يحكم، لا هو نافع ولا ضار ، اعتقد أن هذا كان واحدا من أعظم الأخطاء التي لاحظتها في عملي”
يحاول هكسلي أن يحل هذه المشكلة بأن يشرح ما يبدو أنه تكيف ضار أو بلا معني بطريقة لا يمكن اعتبارها مفيدة . صارت محاولته فاشلة. كمن يحاول ان يصف انفصام الشخصية كتكيف مفيد . يقول أن ” نظرية الوراثة تجعل من الواضح أن الطابع الوراثي عديم الفائدة مثل هذا لا يمكن أن يقاوم في التكرار السكاني ما لم يتوازن مع بعض التعويضات. في هذه الحالة يبدو أن الميزة هي أن الأشخاص المصابين بالانفصام يكونون أقل حساسية عن الأشخاص الطبيعيين ويكونون أقل عرضه من أن يقاسوا من صدمات الجراحة والعمليات و لا يقاسوا تقريبا من الحساسيات المختلفة”
سجل المستحاثاة ( الجذريات وبقايا الحيوانات)
البند الأخير الذي تستند عليه نظرية التطور هو الادعاء أن سجل الاستحاثة يقدم قصة دقيقة لعملية تحول الأنواع أو التطور الضخم . يقول ساجان التطور حقيقة ” يعلنها من خلال (السجل الأحفوري) ” 16 هذا السجل يسبب الحرج لنظرية التطور علي أنه الوسيلة الوحيدة التي يستطيع العالم أن يلاحظ بها عملية التطور. في عصر دارون كان البرهان الفعلي غير موجود. لم يكن هناك سجل حفريات حتى أن أي انقسام في الطبيعيات الرئيسية مثل الأسماك ، البرمائيات، الزواحف، الثدييات قد فحص تدريجيا.
بدون برهان مقنع من الحفريات ، لا يكون لنظرية التطور أساس أو أسلوب علمي. و تترك المجال للاعتقادات . لذلك نجد جوليان هكسلي يقرر ” معظم نظريات التطور هي مما نطلق عليه تنوع قصيرالأجل، لكنه تغيير في شكل الخواص من تنوع طويل الأجل الذي يغير في شكل اتجاهات طويلة المدي التي اكتشفها علماء الحفريات….” من هذا الادعاء يتضح أن سجل الأحفوري يقدم برهانا لا خلاف فيه للتطور الضخم. ليست هذه هي القضية علي أي حال، كما سنشرحها في الفصل الخاص بالأحياء في المسيحية.
التطور الطفروي
السجل الأحفوري هو المعني الوحيد المتاح في تشغيل الطريقة العلمية لملاحظة التطور الكبير، وإذا ما كان هذا السجل لا يقدم شيئا ملحوظا يتجاوب مع النظرية – عندئذ يكون التطوري متمسكا بنظرية لا أساس لها . لا يحتمل تابع الحركة الإنسانية ذلك – لذلك اقترح نظرية أخرى لتجد توافق السجل الأحفوري مع القالب التطوري . يشار إلي هذه النظرية بالتطور الطفروي . تشير كلمة التطور إلي حقيقة أن للأنواع مظهرا كان في سكون شديد في الطبيعة وتشير كلمة الطفروي إلي التغيرات الكبيرة الضرورية لشرح أن الثغرات قد تم معالجتها في السجل الأحفوري بين الاختلافات الرئيسية
بعد أن اعترف كريس ماكوان أن سجل الحفريات لا يحتوي علي دليل تطور ضخم يقفز إلي الخلاصة أن النظرية تسمح للتطور وتدور حول المشكلة التي تشير إليها الحفريات لا بد أنه حل علمي ” ربما تطورت أنواع جديدة فقط عندما عزلت طبقة من السكان عن البقية . يحدث التنوع نسبيا وسريعا، ربما في مدي عدة آلاف من السنين وربما أقل” 18 تصرح هذه النظرية أن العلم لا يمكنه أن يكشف الحلقات بين الأنواع، فسجل الحفريات لا يحتوي علي هذا التغيير لأنه يحدث بطريقة سريعة تفوق توثيق الحفريات الدقيقة.
كيف يتفق التطور الطفروي مع نظرية التطور كما يعرضها داروين؟ ليس كما تتوقع في الحقيقة فإنها تصطدم مباشرة مع أفكار داروين الذي يكتب ” إذا كان قد أتضح أن أي عضو مركب موجود ولم يكن من المحتمل حدوث تعديلات عديدة متتالية دقيقة، فإن نظريتي تنهار تماما”19 من الواضح أن بعض التطوريين يرغبون أن يتراجعوا ؟ لكى تكون نظرية داروين في تأثير تحتاج أن تعمل نوعا من التطور يناسب الحقيقة.