” القليل مع العدل خير من دخل جزيل بغير حق ” أم 6: 8
ينقسم المسيحيون إلي قسمين في قضية الاقتصاد . بينما يؤمن عدد كبير أن الكتاب المقدس يشجع نظام الممتلكات الخاصة ومسئوليات الأفراد ومبادراتهم ( أش 65: 21-22 ، إر 32 : 43-44 ، أع 5: 1-4 & أف 4: 28) يعضد آخرون الاقتصاد الاشتراكي (أع 2: 44-45 ) وفي الحقيقة ، يعلن بعض المسيحيين أن الكتاب المقدس ينادي بشكل ما من الاشتراكية . توقع هؤلاء ” اللاهوتيين التحرريين ” نوعا ما من الاشتراكية لدخول ملكوت السموات.
يجب أن يتحذر كل مسيحي من مثل هذه المصيدة ، لأنه لا يوجد نظام اقتصادي – سواء شيوعي، اشتراكي ، رأسمالي – كامل. ليس معني هذا ، علي أي حال، أن كل الأنظمة الاقتصادية متساوية . نظام واحد ، في الحقيقة هو متناغم مع كلمة الله ويعالج عالمنا الناقص.
الاشتراكية أم السوق الحرة؟
في المستوي الأساسي ، يواجه المسيحي أحد الموقفين إما تأييد الاشتراكية أو التعامل الحر . في العالم الحقيقي لا وجود لأي من الاشتراكية أو التعامل الحر بالصورة النقية – أي أن كل الأنظمة الرأسمالية تحتوي علي عناصر معينة من الاشتراكية والعكس بالعكس. لكننا سوف نناقش الأنظمة المتعارضة في أقل حالاتها المخففة.
أبسط فارق بين الاشتراكية والسوق الحر يلخصه رونالد ناش ” إحدى الملامح السائدة للرأسمالية هي الحرية الاقتصادية ، حق الناس في تبادل الأشياء اختياريا بعيدا عن القوة ، الغش و السرقة . الرأسمالية أكثر من ذلك ، طبعا ، لكن يوجد اهتمام بالتبادل الحر الملحوظ . من الجانب الأخر ، تحاول الاشتراكية أن تستبدل حرية السوق بمجموعة من المخططين المركزيين الذين يسيطرون علي أعمال السوق الضرورية”
يثق المسيحيون الذين يؤمنون بالاشتراكية ( الشيوعية) كأفضل نظام مرغوب فيه أن سيطرتهم المركزية تخلق وسائل المشاركة في المصادر النادرة. يؤمنون بتأييد الكتاب المقدس للرأي الاشتراكي ، غالبا ما يشيرون إلي أعمال 2: 44-45 كدليل أن كلمة الله تنادي بمثل هذا التنظيم الاقتصادي .
عندما تدرس الكتاب المقدس ككل تجد من الملحوظ أن كلمة الله تؤيد بالأكثر نظام الملكية الفرية وأخلاق العمل (أنظر بصفة خاصة أشعياء 65 : 21-22 ، ارميا 32: 43-44).
الملكية الخاصة
المسيحيون الذين ينادون بالاشتراكية يعلنون أن الملكية الخاصة تشجع علي الجشع الحسد ، والشراهة وأن الملكية العامة تزيل إغراء الخطية . هل هذا متفق مع المكتوب ؟ لا يفكر أر فنح هيوارد هكذا ” الوصية (لا تسرق) هي أوضح إعلان لحق الملكية الخاصة في العهد القديم”
وفي الحقيقة، تعتبر الملكية الشخصية ووكالة الممتلكات حالة صحيحةفي كل الكتاب المقدس ( تث 8، را 2 ، اش 65: 21-22 ،ار 32: 42-44 ، مر 4: 1 ، لو 12: 13-15 ، أع 5: 1 ، أف 4: 28 ) يوضح كالفن ينزير هذا السؤال ” لماذا يطالب الله في المكتوب بالتعويض الضاعف في حالات السرقة ، حتى إذا تطلب التعويض أن يبيع الشخص نفسه عبدا ( خر 22: 1-2 ) يطلب الكتاب المقدس هذا بوضوح لأن الله منح البشر حق الملكية.
يعنتع هذا الحق في الملكية الخاصة من واجبنا أن نعمل. بعد طرد الإنسان من جنة عدن ، أمر الله أدم أن يواجه العمل في الحياة ( تك 3: 17-19 ) لكن الله في مراحمه سمح للبشر الذين يعملون هذا الواجب بضمير صالح أن يكافئوا بممتلكات خاصة. يقول الكتاب المقدس في أم 10: 4 ” العامل بيد رخوة يفتقر أما يد المجتهدين فتغتني” وضع الله عالما فيه الممتلكات الخاصة التي تجعل البشر مستثمرين أكثر من هذا ، حيث أن الله منح الإنسان ملكية خاصة في نواح معينة في الخليقة، صار الإنسان مسئولا أمام الله عن الأسلوب الذي يستخدم الملكية. في خطة الله العجيبة والمتشابكة ، أنشأ واجب العمل ، حق الملكية الصحيحة التي بدورها تخلق الواجب في استخدام الممتلكات بحكمة ويقول بنزر ” تري الوكالة الكتابية الله كالمالك لكل الأشياء (مز24: 1) والإنسان فردا أو جماعة كوكيل . كل شخص مسئول أمام الله في استخدام ما يملك (تك1: 26) مسئولية الشخص كوكيل تضاعف عائد المالك أو استثمار الخدمة ( مت25: 14-30) يثمراستعمال الممتلكات لخدمة الأخريين ، فقط ، في مجتمع فيه الملكية الخاصة. الملكيات العامة عادة ما تتلف إحساس الشخص بالمسئولية في أن يستعمل الممتلكات بحكمة ، لأنه لا يوجد بادرة عند الإنسان الأناني أن يعامل الملكية بحكمة.
لا تشجع الملكية الخاصة ، من الوجهة المسيحية ، علي الجشع أو الشراهة. تجعل الإنسان يركز علي الحاجة للعمل وتخدم الأخريين ، وليس تكويم الثروة لنفسه، عندما يفهم الشخص الملكية في مفهوم الوكالة يصير من الملحوظ أن الملكية الخاصة تشجع اتجاها أكثر حرص علي المصادر أكثر مما تفعله المكية العامة.
عند هذه النقطة ، قد يعترض الاشتراكي أننا نعيش في عالم غير كامل ، ولا يتوقع أحد أن يكون كل شخص أمينا تجاه الوكالة . هذا حقيقي . لكنه استنتاج اشتراكي – السماح لأشخاص أنانيين ، أن يتنافسوا في السوق الحرة علي ممتلكات محددة ، يقود إلي أعمال إنتاجية موجهة –هل هو بالضرورة حقيقة ؟ هل المنافسة الاقتصادية شر ؟
التكامل الاقتصادي
في استخدام الآيات السالفة مثل أمثال 10:4 ، لوقا 10: 7 يبدو أن الكتاب المقدس يدعو أن يتنافس البشر بعضهم البعض في العمل لتشجيع الثمر . عندما نطبق المثل الكتابي تصير المنافسة عملية جدا. تميل المنافسة الاقتصادية إلي خنق ميول الإنسان الشريرة .
تشجع المنافسة علي التعاون في المجتمع الرأسمالي ، لأن الناس في هذا النظام يعملون بحسب مبدأ الفائدة المقارنة . يقرر هذا المبدأ أساسا أن كل عضو في مجتمع السوق الحرة يمكنه أن ينتج سلعا مفيدة أو خدمة نافعة بالتخصص في المجال الذي فيه يكون أقل خسارة ممكنة . يجد هؤلاء الأفراد أنهم يكونوا أكثر نجاحا وهم يعملون في سوق حرة بتركيز طاقاتهم علي منتج أكثر فائدة للمجتمع عن طريق التعاون . وهذا بدوره يخلق بضائع وخدمات أكثر وجعلها في متناول الأعضاء الفقراء في المجتمع.
عندما ننظر بحسب الفائدة المقارنة ، يخلق التعاون أيضا فائدة أخرى ، يطور قيمة الفرد تحتفظ السوق الحرة بكرامة كل عضو. بمنح الفرد الفرصة ليساهم في رخاء المجتمع . تسمح الفائدة المقارنة كل شخص أن يكون أفضل منتج لخدمة أو إنتاج ما. يتمشى هذا تماما مع وجهة النظر الكتابية التي تصف كل فرد بأن له قيمة عظمى لأنه مخلوق علي صورة الله.
عندما تقود المنافسة إلي التعاون ومعرفة قيمة الفرد ، فهي تتناسب مع وجهة النظر المسيحية . وفي الحقيقة عندما يفهم الشخص أن البديل الوحيد للمنافسة مضاد للإعلان الكتابي ،فهو يعترف بقيمة النظام الرأسمالي.
أو يبدوأن المسيحيين الذين ينظرون إلي الاشتراكية كنظام اقتصادي صحيح له قيمة في وقت الشدة ، يعلنون أن العدالة الاجتماعية تتطلب أن يمتلك كل فرد نصيبا متساويا من المصادر النادرة حتى يسود هذا المبدأ الأساسى كل الاعتبارات.
مبدأالعدالة الاجتماعية
تبدو فكرة طلب المساواة الاقتصادية –في الظاهر- فكرة نبيلة. ماذا يعتبر أكثر عدالة من أن يشارك كل شخص بالتساوي في المصادر المتاحة ؟ سبق أن أوضحنا أن كلمة الله تنادي بالملكية الخاصة – وأكثر من ذلك تواجهنا كلمات الرسول بولس التحريضية في 2تس 3: 10
” فإننا أيضا حين كنا عندكم أوصيناكم بهذا أنه إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضا” كيف يمكن لنا إن نصالح الفكرة التي تبدو أنها نبيلة عن المساواة الاقتصادية مع الحق الكتابي ؟ الجواب هو طبعا أنه لا يمكن . يقتبس بنرير لاويين 19:15 ويقول ” ليس الله في جانب الفقير رغم الاحتجاجات علي العكس أي قانون يعطى مزايا في المجال الاقتصادي لأي أحد ، غنى أو فقير ، يخل بعدالة الكتاب المقدس “لماذا تكون الحالة هكذا ؟ لأن العدالة تتطلب المساواة أمام القانون ليس المساواة في الدخل أو الإمكانيات وفي الحقيقة ، تقود العدالة إلي عدم المساواة في الاقتصاد . كما يقو ل بيرنر ” يطالبنا الكتاب المقدس بعدم التحيز لأن الناس يختلفون في الاهتمامات ، الهبات، القدرات، المواقع في الحياة، يجب أن تأتي النتيجة الثابتة في عدم المساواة المشروطة”
تأسست العدالة ليس علي الدخل المادي المتساوي لكن علي تساوى الفرص التي لا تعوقها عوائق قسرية . يقول مايكل نوفاك ” في تقدم التعددية والحرية للحياة البشرية ، لا يمكن لأي نظام عادل أن يضمن النتائج المتساوية. النظام الديمقراطي ، يعتمد في شرعيته ليس علي نتائج متساوية لكن علي فرص متساوية” ومعنى الفرص المتساوية هو أن يبدأ كل شخص بنفس المهارات والعلاقات الاجتماعية ولا يعاق أحد من القانون وهو يقوم بعمل مشروع في السوق. يتطابق هذا مع الوجهة الكتابية.
الغني والفقير
تكمن أسباب تمسك المسيحي الاشتراكي بالحاجة إلي المساواة الاقتصادية ، في الافتراض الخاطئ أن الغني يأخذ الثروة من الفقير . لو كانت هذه النظرة صحيحة ، لأمكن تبرير النداء الاشتراكي بالمساواة . لكن هذه النظرة تختلف عن الحقيقة.
أولا : يوضح الكتاب المقدس أن الفقر لا ينتج دائما من استغلال الغنى , يقول ثسن ” مؤكد أن الكتاب المقدس يعرف أن الفقر ينتج أحيانا عن الظلم والاستغلال . لكن الكتاب المقدس يعلن أنه توجد أوقات ينشا فيها الفقر من الكوارث وليس من الاستغلال. وتشمل هذه الكوارث الحوادث، الإصابات ، الأمراض ، و يوضح الكتاب المقدس أن الفقر قد ينجم عن البطالة والكسل ( أم 6: 6-11 ، 13: 4 ، 24: 30 ، 28: 19 )
ثانيا : في الأسواق الاقتصادية – الثروة عادة تخلق ثروة . يريد الاشتراكيون أن ننظر إلي الغني كمن يدخر مصادر ثروات نادرة – لكنه في الحقيقة يستخدم الغنى في السوق الحرة بصورة مثمرة لكي تتكاثر البضائع وتزداد إمكانية الخدمة. وهذا بدوره يخلق فرصا أكثر لكل من الغنى والفقيرعلي حد السواء. يقول جورج جيلدر ” تحت النظام الرأسمالي ، يكون للغنى لمسة (ميداس ) محولا الذهب إلي بضائع وأعمال
و فنون”
بهذه الطريقة ، نساعد العنى والفقير بتوسيع الرقعة باستمرار للثروة والفرصة . وفي مكان أخر يقول جيلدر ” تنشأ معظم الثروات الحقيقية في عقول الأفراد بطرق غير متوقعة وعظيمة . يعتمد الاقتصاد الناجح علي توالد الغنى ، في خلق طبقة من الرجال المخاطرين الذين يرغبون في خلق مشرعات جديدة ، ويربحون من خلالها المال الطائل ثم يعيدون استثمارها” 10 وتشجع السوق الحرة الأشخاص الأثرياء أن يستثمروا ثروتهم في المشاريع المثمرة ، بهذا يخلقون فرص عمل و بضائع وخدمات للآخرين . لكن الاقتصاد الاشتراكى يشجع الأثرياء علي إخفاء الثروة من حسابات الضرائب واستثمارها في البنوك الأجنبية.
يتجاهل الاشتراكي هذه الأسس: أن الثروة تأتي نتيجة الاستثمار و العمل الشاق الذي يبذل في السوق الحرة أكثر من المصادر ذاتها. وفي الحقيقة ليست المصادر طبيعية علي الإطلاق – كلها من نتاج الفكر البشري والطاقة من المواد الخام. الأرض نفسها تثمر عشبا لكن الأرض تحت أشراف الفكر البشري و العمل الشاق تنتج الفاكهة والخضراوات للمجتمع بكامله.
الحرية و الاقتصاد
بدأنا بتحليل الرأسمالية والاشتراكية . ولاحظنا أن الرأسمالية تثق في السوق الحرة، بينما تتطلب الاشتراكية سيطرة مركزية . من هذا الفرق الرئيسي بين النظامين يقفز عدد من التشعبات تشمل الإنتاج الموجه ، الذي يخلقه الرخاء في الولايات المتحدة . لأن الاشتراكية تستوجب اقتصادا مخططا له ، بما فيه السيطرة علي التوزيع ، الأسعار، الإنتاج ، تتطلب حكومة قوية مركزية تصنع الخطط ، يشير ب. ت. باير ” المحاولات لتقليل الفروق في الاقتصاد في مجتمع حر مفتوح لا بد أن تشمل الاستعمال الموجه للمصادر كلها.
وهكذا ، يجب أن يعتمد الاشتراكي علي زيادة القوى السياسية ، لكي يحقق أهدافه في المساواة الاقتصادية والاقتصاد الموجه.
علي العكس ، في النظام الرأسمالي ، تكون الحاجة إلي أقل قوي سياسية لأن الحكومة لا تحتاج إليها ،لا تقلق بخصوص السيطرة علي الأجور ، الأسعار أو الإنتاج. يكون المواطنون أحرارا في تصميمهم في كيف ينفقون أموالهم و كيف يستخدمون مواردهم .
تعتنق وجهة النظر المسيحية الرأسمالية الديمقراطية لعدد من الأسباب. الكتاب المقدس ، ليس فقط يمنح الإنسان الحق في الملكية الخاصة ، لكنه يدعوه أيضا أن يكون وكيلا أمينا في ممتلكاته – ونظام العمل الحر يمنح الإنسان أفضل فرصة أن يعمل كوكيل مسئول بخلق العمل والفرصة . أكثر من ذلك ، المنافسة في الأسواق الحرة تعمل بحسب مبدأ الميزة النسبية التي تؤكد القيمة الأصلية لكل فرد.
من الواضح أنه توجد علاقة بين نوع الاقتصاد الذي يختاره المجتمع و كمية الحرية التي يجب أن يضحى بها الشخص. في المجتمع الاشتراكى ، يجب أن يستند الفرد علي الحكومة كثيرا للسيطرة علي حياته . يقول بيرنر: الطريقة الوحيدة للوصول إلي ثمار متساوية هي أن يتساوى السلوك . وهذا يتطلب سلب الناس حرياتهم وجعلهم عبيدا” الحرية الاقتصادية والحق في الملكية أمران حاسمان للحرية السياسية.
الرأسمالية هي أيضا أكثر عدالة اجتماعية عن الاشتراكية . بينما يطالب الاشتراكي بالمساواة الاقتصادية ، يحترم الرأسمالي المتطلبات الكتابية في المساواة أمام القانون. لا تتسبب هذه -كما يري الاشتراكي- أن الغني يزداد في الغنى والفقير في الفقر. لكن تشجع الغنى علي خلق أموال أكثر بالتالي تضاف أمور جديدة للمجتمع. سياسة إعادة توزيع الثروة ،المتضمنة أنظمة الرخاء ، تكثر فقط مشاكل للفقراء – تخلق بيروقراطية غير ضرورية ، وتركز بقوة أكثر في يد المجال السياسي . يزيل هذا خطر خلق تسلط الحكومة بدلا من سيادة الله.
المسيحي الذي يقبل الكتاب المقدس عليه أن يقبل الرأسمالية الديمقراطية أيضا ، أو العمل الحر كنظام يتلاءم أكثر مع وجهة نظره. كانت هذه الحقيقة واضحة لدي فريدريك انجليز”إذا كانت هناك نصوص في الكتاب المقدس نعتقد أنها تفضل الشيوعية ، فإن الروح العامة في عقيدته هي ، ضدها” .