” مصير الإنسان هو العامل الوحيد لتطور كوكبه في المستقبل” جوليان هكسلي
في عام 1933 كانت الإنسانية العلمانية تدور بسرعة مذهلة ثابتة عن قدرات الإنسان. وصف بيان الحركة الإنسانية الأول الذي صدر في نفس العام ، التاريخ كقصة طويلة لتقدم البشرية نحو الفردوس .
بعد ذلك جاءت الحرب العالمية الثانية ، أعقبها اكتشاف وحشية جوزيف ستالين. و فجأة بدأت التفاؤلية غير المحدودة للحركة الإنسانية تذبل ،من المدهش أن البيان الثاني للحركة الذي نشر (أكتوبر 1973) أجبر علي الاعتراف ” لقد أظهرت النازية أعماق الوحشية التي تحملتها البشرية . وقامت أنظمة أخرى للإقطاعيين بقمع حقوق الإنسان في فقر لا نهاية له وأتي العلم بالشر كما بالخير أيضا”
يبدو اليوم أنه من المستحيل أن ننظر إلي التاريخ بتفاؤل . بافتراض الموقف الإلحادي ، لا بد أن يري مناصر الحركة الإنسانية العلمانية التاريخ البشري علي أنه تاريخ طائش محفوف بالمخاطر و قضية لا أخلاقية في معظمها، مع أمل صغير في التحسن في المستقبل. يصف بيان الحركة الأول رفض الحركة للتفاؤلية التاريخية.
علي أننا نقرأ في البيان الثاني تقرير للتفاؤل التاريخي الشديد . ويقول البيان
” استخدام التكنولوجيا بحكمة يمكننا أن نسيطر علي البيئة ، نهزم الفقر ، نقلل الأمراض، نمدد الأعمار ، نعدل كثيرا من السلوك ، نغير من منهج التطور البشري وتقدمنا الحضاري ، نطلق القوى العظيمة ونقدم للبشرية فرصا ثمينة لتحقيق حياة أفضل لها معنى.
يصرح تابع الحركة بأنه يتبنى نظرة واقعية للتاريخ البشري ، لكنه من حين لآخر يضع تقريرا يفشى إيمانه غير المحدود في تطور الجنس البشري. لماذا يصر رجل الحركة الإنسانية أن مستقبل الإنسان سوف يضئ دائما أكثر من الماضي ؟
يلخص جون ديترتش هذه النظرة ” لم تكن هناك أي جنة عدن، أو حالة كاملة في الماضي، لم يكن هناك أي سقوط أو عصيان بل كان هناك ارتقاء مستمر . كان الإنسان يرتقي ببطء عبر القرون من الحالة البدائية إلي الحضارة الحالية”
يري أنصار الحركة الإنسانية كل عملية تاريخية في تطور للحضارات إلي حضارة أفضل ومدنية أرقي. ويصر جوليان هكسلي علي أن ” الارتقاء والانخفاض في الحضارات هو ظاهرة طبيعية . ككثير من تتابع الجماعات المختلفة في تطور
بيولوجي” تشعر الحركة الإنسانية بالثقة أن المستقبل سيكون أفضل من الماضى والسبب يرجع إلي التطور الذي يتطلب تقدما في الحاضر.
السبب الثاني الذي يجعلهم يعتنقون النظرة التفاؤلية جيدا ” في النموذج التطوري في الفكر البشري لم يعد يوجد حاجة أو مكان لما هو فوق الطبيعة” ينكر الإنسانيون وجود الله وهذا ينزل كثيرا من أهمية أعمال الإنسان ، يقول برتراند راسل في هذا المجال ” الكون متسع والبشر مثل قش رقيق علي كوم هائل” وتدفع هذه الأفكارا لمغزى التاريخي ،ليكون تابع الحركة متفائلا ، وبينما تولد مثل هذه الأفكار ” تشاؤما فإنها تدفع العضو أن يضع كل أماله في التاريخ والمستقبل ، لأن تقدم البشر يصير هدفا منشودا رئيسيا . بدلا من أن يقود إلحاد تابع الحركة إلي مصيدة العدم، يجعله يعتمد علي التطور ليري البشرية بمعنى أخر. إذا كان تابع الحركة يعتقد في أي شئ علي الإطلاق ، فإنه يؤمن أن التقدم البشري أمر محتم.
الحركة الإنسانية و الكتاب المقدس:
من الساخر أن يستخدم الإنسانيون نظام التاريخ لتأييد إلحادهم . فإنهم يدعون أن المؤرخين أثبتوا أن الكتاب المقدس يحتوى علي خرافات وأن الاتجاه العلمي في التاريخ البشري يشهر بطييعة الخرافات الكتابية و بالأخص معجزات المسيح.
يعلن بول كيرتز ” لا يوجد برهان أن يهوه تكلم إلي إبراهيم ، موسى ، يوسف، أو أي نبى من العهد القديم” ويشكك هاري ألمر بيرنز في صحة الكتاب المقدس . والنقد الكتابي ، الذي أجرى علي العهد الجديد ، انتزع عنصر ما هو فوق الطبيعة من سير الأشخاص المؤسسين بالكامل ، كما عمل نقد العهد القديم علي بطلانه”
ينظر عضو الحركة إلي الكتاب المقدس – وبصفة خاصة إلي قيامة المسيح وصعوده -كأمر غير مؤكد تاريخيا . ويؤمن أتباع الحركة أن قصة ما هو فوق الطبيعة غير دقيقة تاريخيا لأن عقيدتهم الإلحادية وفلسفتهم الطبيعية لا تسمح بوجود ما هو فوق الطبيعة. لكن هذا يترك الشخص مع مشكلة رئيسية : من وماذا يضمن التقدم المباشر في التاريخ؟
من يشكل التاريخ؟
يعتقد بعض الإنسانيين أن بيئة الإنسان تلعب دورا كبيرا في تشكيل التاريخ. كتب برنز ” التاريخ هو سجل تقدم الإنسان مشروط بالبيئة الاجتماعية ” يبدو هذا الاتجاه من النظرة الأولي هو الأكثر تلائم مع وجهة النظر الإنسانية . علي أي حال، يصف سيكولوجيو الحركة الإنسانية ، الإنسان بأنه حيوان جيد في الأساس ، دفعته البيئة إلي الشر. أليس التاريخ هو قصة للإنسان في تجاوبه مع البيئة؟
بالممارسة النظرية، لا تستطيع الحركة أن تقبل هذه النتيجة. بجرد أن يعلن تابع الحركة أن للبيئة قوة ديناميكية خلف التاريخ، يلتف الإنسان بالغرض. لا يستطيع تابع الحركة أن يشجع الفرد أن يعمل علي تغيير العالم ، لأن الإنسان بحسب هذه النظرة ليس إلا ورقة الشجر التى تغيرها البيئة. وهكذا ، لكي يمنح الإنسان القوة ليتحكم في مصيره الخاص ويحتفظ باتجاه تفاؤلي نحو التاريخ ، يجب أن يتخلي عن الإيمان بالتأثير البيئي ويركز علي دور الإنسان في تشكيل التاريخ.
تتمسك الحركة الإنسانية بمكافأة الحرية الشخصية أمام وجه البشرية بجهد الاحتفاظ بالفرد في اتجاه تحسين العالم . و يطيح كورليس لا مونت بالمكافأة بجسارة مقررا ” داخل حدود معينة معلنة بواسطة ظروفنا الأرضية وبالقانون العلمي ، البشر أفراد ، والبشرية عامة أحرار في اختيار الطريق الذي يرغبون اتباعه إلي حد كبير هم الذين يشكلون مصيرهم الخاص و يمسكون بأيديهم شكل الأشياء القادمة” 11
و يعلن البيان الثاني للحركة أن البشرية وحدها هي القوة الديناميكية في التاريخ. ” بينما يوجد الكثير الذي لا نعرفه ، فإن البشر مسئولون فيما يتعلق بالوضع الراهن أو ما سيكون في المستقبل ، لا يخلصنا أي لاهوت ، يجب أن نخلص أنفسنا ”
بالإعلان أن الأعمال هي مفتاح القوة في التاريخ البشري، يتمسك تابع الحركة الإنسانية بتفاؤل وإيمان بالغرض البشري . علي أن الأمر يخلق مشكلتين جديدتين لتابع الحركة الإنسانية : أولا ، كما رأينا الأمر غير كاف في تأثير الحركة الإنسانية أن الإنسان من نتاج البيئة . ثانيا : السماح بأن الإنسان يشكل التاريخ ، يفتح تابع الحركة الإنسانية الباب لآي فرد لكي يغير مجري التاريخ – سواء إن كان إنسانيا أو مسيحيا . هذا يعيق فضية الحركة الإنسانية ، لأنه يقترح أن أي وجهة نظر يمكن أن تجلب التغييرات الكبيرة في التاريخ. علي أي حال ، يؤمن تابع الحركة الإنسانية أن أيدلوجية الفرد وحدها قادرة في دفع البشرية إلي فردوس المستقبل. كيف يمكن أن يقنع البشرية أ ن يتبعوا وجهة نظر الحركة الإنسانية في التاريخ؟
الأيدلوجيات تشكل التاريخ
يحل تابع الحركة الإنسانية هذه المشكلة في خطوتين .
أولا في تأكيده : الناس في ذواتهم لا يشكلون التاريخ لكن الأيدلوجيات البشرية هي القوة الديناميكية في التاريخ.
ثانيا: يعلن أن الأيدلوجيات في تطور و لهذا فإن بعض الأيدلوجيات تتلاءم جيدا مع أحداث تغيير التاريخ . يعلن هكسلي أن ” الخطوات الرئيسية في أحقاب التاريخ المختلفة يمكن الوصول إليها بالدخول إلي أنظمة جديد سائدة من التنظيم الفكري ، من المعرفة ، والأفكار و المعتقدات و أيدلوجيات ليست سيكولوجية أو بيولوجية”
تطبيق هذه النظرية واضح . إذا كان نظام الإنسان المفكر يتطور ، و تأتي أيدلوجيات أخرى لحل عصر معين . تحتاج إلي تخيل بسيط لاختيار أي منها يعتبرها تابع لحركة قديمة ، أي وجهة نظر تقبل وجود الأمور الفائقة التي يحتقرها تابع الحركة الإنسانية. هكذا ، يرسم الإنساني المسيحية كأيدلوجية بدائية كانت تلائم التاريخ البشري القديم لكنها عديمة الفائدة في الوقت الحاضر .
إذا ، أي أيدلوجية أكثر ملائمة لتطور الجنس البشري؟ لقد فكرت أنت فيها! يعتقد الإنسانيون أن الحركة الإنسانية هي الأيدلوجية الوحيدة السائدة- التي تسمح لهم أن يعلنوا أن أيدلوجيات الإنسان تؤثر في التاريخ بينما يحذرون من المسيحية و ينكرون تأثيرها الإيجابي في الحاضر أو المستقبل. تصبح الحركة الإنسانية هي العامل الوحيد الذي يحدث التغيير في مصير الإنسان .
دور البشر في صناعة التاريخ
يؤمن تابع الحركة الإنسانية أن الذين يعتنقون حركتهم يمكنهم أن يؤثروا في التاريخ بلا حدود. يعلن لا مونت بلا لياقة ” تنادي الحركة الإنسانية أن الإنسان ليس أقل أن يكون مخلص نفسه و فاديها”
الذي يشك أن الحركة الإنسانية تؤله الإنسان ، يجب أن يكون هذا الاتجاه نحو التاريخ مزيلا للشك. تصور وجهة النظر الإنسانية الإنسان كمن هو قادر علي خلق وفداء البشرية ، عندما يعطي الوقت الكافي . يصف أريك فروم الإنسان بالخالق عندما يقول ” يخلق الإنسان نفسه في العملية التاريخية ” ثم يعلن فروم ” الإنسان كالفادي ” ” يأتي العصر المسياوي كالخطوةالتالية في التاريخ البشري وليس إلغاءه. العصر المسياوى هو عصر فيه يكتمل نمو الإنسان . عندما طرد الفرد فقد بيئته ، في العصر المسياوى سيعود إلي البيت مرة أخرى – العالم”
يجاهد نصير الحركة في فداء البشر بخلق فردوس علي الأرض. ويجب أن يستوطن في هذا الفردوس أنواع أعلي تطورا من البشر . يعترف لامونت بهذا عندما يقول ” يستطيع الناس ان يجدوا وفرة من المعنى في حياتهم من خلال … المساعدة علي تطوير أنواع جديدة للإنسان المدهش ” أي أنواع يمكن أن تكون أعلي من الإنسان؟ يقدم فيكتور ستنجر فكره . يؤمن أن الإنسان مستمر في عملية خلق نسخة أفضل كثيرا من الشكل الحالي له. وليس بواسطة العملية العشوائية البطيئة المؤلمة من التطور البيولوجي ، لكن بواسطة تعبئة سريعة موجهة نحو التقدم . هذا النوع الجديد من الحياة ، أطلق عليه لأسباب تاريخية
” الكومبيوتر “18 إنني مقتنع أن الكومبيوتر سوف يبرهن أنه أكثر قدرة من الإنسان في كل مجال في الحياة له معناه” وإذا كان هناك أي شىء يمكننا أن نعمله و لا يستطيع الكومبيوتر – فلنصبر – فإنه مع الوقت يتطور استخدام الكومبيوتر أفضل مما نفعله الآن وطبعا لا يؤمن كل شخص في الحركة بأنه يجب علي كل الإنسان أن يركز كل طاقاته لفداء البشر وبالإسراع في تطوير أجهزة مثل الكومبيوتر . لكن لماذا لا تصبح هذه حقيقة في المستقبل للحركة الإنسانية ؟ هذا يتناسب مع التفاؤلية بالمستقبل والإيمان بالإنسان كالفادي والمخلص لنفسه . واقتناعهم أن الإنسان قادر علي تطوير المستقبل .
بالنسبة لتابع الحركة التاريخ ليس هو ما يتحدث عن الماضي ، لكن هو الفردوس المستقبلي المحتوم. بينما لا يبتعد الإنسانيون كثيرا عن التنبؤ بمولد نظام عالمي جديد، فإنهم يعلنون أن الإنسان يفدي نفسه في المستقبل بخلق النظام الاشتراكي الكامل- عندما يكتمل هذا النظام بأن الجنس البشري ( أو جنس الكومبيوتر) يصير كاملا أيضا. هذا التفاؤل هو ثمرة طبيعية لنظرة الحركة الإنسانية التطورية و تأليه الإنسان بإبعاد الله عن العرش ، يزيل تابع الحركة الإنسانية أكبر مرشد يعتمد عليه للتاريخ، ولابد أنه ينسب هذا السلطان لقوة أخري. لكي يكون الشخص متوافقا مع هذه الفلسفة يجب أن ينسب تابع الحركة السلطان للبيئة – لكن هذا يخلق مشاكل حتمية ، لذلك يعود تابع الحركة إلي الإنسان كالمرشد . تعلن الحركة أن بروز الأيدلوجيات كسيادة الإنسان لتكون القوة الديناميكية الحقيقية في التاريخ. والنخبة الممتازة ممن يعتنقونها هم السادة الحقيقيون للمستقبل. ويصير الشخص الذي يعمل في إطار الحركة هو مخلص العالم.
يعتقد المؤرخون في الحركة الإنسانية في إله واحد قدوس (الإنسان)وأنه يقدم خطة الخلاص للبشر ( بحسب فكر الحركة )و يضمن فردوسا في المستقبل ( للمجتمع الكوني) .