فلسفة الإنسانية العلمانية

لسان المتعلمين

” الحركة الإنسانية هي حركة طبيعية ترفض الوضع فوق الطبيعي وترفض وجود الإله الخالق وحاكم الكون ”

يتردد الإنسانيون في وضع عنوان لفلسفتهم ، وفي تحديد وضع الحركة . فهم يؤمنون بوجود الحق المطلق. توجد لديهم قائمة من الأوضاع الفلسفية العديدة تتلاءم مع وجهة نظرهم : المادية ، الطبيعية ، العضوية وتتلاءم مع النظريات الأخرى ” المؤسسة علي العلم” لكن هذا الاختيار ليس اختيارا كبيرا – لأن كل نظرية معروفة تتمسك بمعتقد أساسي . وهي ترى أن العالم المادي هو كل شئ موجود . وفي الحقيقية فإنها تقدم اختيارا يختلف قليلا عن مرادف “للطبيعية” التي تتمسك بها الحركة الإنسانية العلمانية.

يمكن تلخيص هذا الوضع العقائدي مما ورد في البيان الرسمي للحركة ” يمكن أن تكون الطبيعة أكبر و أعمق عما نعرفه الآن ، و سوف تقدم الاكتشافات الحديثة ما يوسع معرفتنا لما هو “طبيعي”2 هذا المعتقد هو جوهر المادية : و يمكن تفسير كل شئ موجود بأسباب طبيعية ، ولا يمكن أن يوجد ما هو فوق الطبيعي . هذا المعتقد أساسى للحركة الإنسانية بغض النظر عما يطلق من ألقاب أخري. يفضل الإنسانيون أن يطلقوا علي أنفسهم لقب “عضويين أو طبيعيين (ماديين علميين)- لا تهم التسمية.   يذكر كوريس لامونت ” تشير كلمة [مادية] لنفس الاتجاه العام نحو الكون الطبيعي”

إنكار ما هو فوق الطبيعة

مفتاح عقيدة الفلسفة الطبيعية هو إنكار ما هو فوق الطبيعية. فالناس يؤمنون إما انه يوجد ما فوق الطبيعة أو أن الأمور الطبيعية هي وحدها موجودة. ويقصد الفلاسفة عامة ” بالأشياء التي هي فوق الطبيعة ، الأشياء الغير مادية مثل النفس ، الشخصية أو الله. ”   ينكر الطبيعيون كل شئ غير مصنوع من المادة ، وغير موجود في الطبيعية .

يتخلل هذا الفكر المادي الإلحادي كل معتقدات الحركة الإنسانية . كتب سيلارز يقول ” المسيحية مثلا لها إطار فوق الطبيعي في كون مثلث الأركان : السماء ، الأرض ، الجحيم ………. يعترف تابع الحركة الإنسانية أن النظرة المسيحية التقليدية قد استأصلت

واستبدلت النظرة القديمة بنمو المعرفة عن الإنسان و عن عالمه”4 . يستند أتباع الحركة الإنسانية علي هذا ” النمو المعرفي ” ليقدموا وجهة نظرهم . ينادي الطبيعيون بأنه يجب أن تكون الأشياء ملحوظة وقياسية حتى يمكن الإيمان بها.

 

و بصفة خاصة لا يرغب أتباع الحركة الإنسانية أن يؤمنوا في كون ناتج عن التصميم ، لأن هذا التصميم يمكن أن يكون دليلا علي وجود المصمم الأكبر. ينادي هذا الشخص أنه لا يوجد مصمم و لا يوجد شخص ” يعتبر السبب الرئيسي .” و يقرر هنري ميللر ببساطة ” إن كنا سنخلص بتدخل خارجي سواء إن كان محللا، ديكتاتورا أو مخلصا أو الله نفسه. فإن هذا يعتبرحماقة”5

إذا فالفلسفة الإنسانية هي إنكار لما هو وراء الطبيعة بل هي أكثر من ذلك و لكي تكون فلسفة كاملة، يقول لامونت ” لكي نصيغ تعريفا موجزا للفلسفة الإنسانية : فهي فلسفة ترفض كل أشكال ما هو وراء الطبيعة، ووحدة الوجود و المثالية الميتافيزيقية. و تقرر أن أسمي هدف للإنسان هو العمل من أجل الرفاهية و التقدم البشري في هذه الحياة الواحدة الوحيدة ، بحسب الأساليب العقلية ، العلمية ، الديموقراطية” 6 هذا تعريف شمولي هام من وجهة النظر الفلسفية لأنه يلخص كل من الميتافيزيقا و المعرفة الطبيعية . وسوف يركز هذا الفصل علي ميتافيزيقا الطبيعية ( بالتحديد الوجود) أولا ثم نكتشف نظرية المعرفة عند الطبيعيين.

الميتافيزيقيا الكونية

يشير تعبير الكونية – إلي الدراسة الفلسفية للكون – بصفة خاصة نشأته. تؤمن الإنسانية العلمانية أن الكون الطبيعي بدأ في الوجود بالصدفة وهو كل ما هو موجود . من الواضح أن هذا الاعتقاد يستند علي إنكارهم لله و ما وراء الطبيعية. وبدلا من ذلك، يعتقدون أن المادة الخالدة لابد أنها أنتجت تلقائيا من حياة عامة و عقل بشري ومن خلال التطور.

لخص كارل ساجان– الشخص المثالي للعام 1981- الكون في الفلسفة الطبيعيةبالقول ” الكون هو كل ما هو موجود ، أو كان موجودا أو ما سيوجد.”   وطبقا لرجل الحركة المثالي لا يوجد خالق سامي في الوجود، فالكون هو موجود وحده، “و الطبيعة هي سلسة لا تنتهي من الأسباب الكافية و لا تستطيع أن تخلق لأنها تتغير بشكل أبدي . ولم تكن لها بداية و لن تكون لها نهاية”وطبعا ليست هناك حاجة لوجود الله ليوضح لنا بداية لم تحدث.

ويضع الإنسانيون أساسا مختلفا للحقيقية – مجموعة غير متتابعة للنشأة الأولى للكون مع تجنب ذكر الله كالسبب الرئيسي الأول . ويسمي لامونت هذه “المبادئ الأساسية لشرح الإدراك”  بالنسبة لتابع الحركة الإنسانية تعتبر هذه المبادئ الأساسية السبب الكافي للحقيقة .

نظرية المعرفة

تشير نظرية المعرفة إلي الشخص في إدراكه للأمور . تجيب نظرية المعرفة علي السؤال: كم يستطيع الشخص أن يعرف؟ و كيف يحصل علي هذه المعرفة؟ يجيب الطبيعيون أن كل شئ في العالم “هو كل شئ” يمكن معرفته، و العلم هو الوسيلة الصحيحة لمعرفته. ويذهب روي وود سيلارز إلي أبعد من ذلك ليقرر ” روح الفلسفة الطبيعية واحد مشتق من روح العلم نفسه”

ويتفق معظم الإنسانيين مع سيلارز و يقرر بيان الحركة الإنسانية الثاني أن ” أي نظرية طبيعية يجب أن تجتاز الاختبارات العلمية” 11 التي لا يمكن أن يفعلها تفسير ” ما فوق الطبيعة” حيث أن كل ما فوق الطبيعة لا يمكن أن يخضع للتفسير أو الملاحظة   وينادي تابع الحركة بإنه يمكن أن يري، يلمس ، ينخس حتى يتم اكتشاف صفاته أو مقوماته أي أنه إله ليس فوق الطبيعة.

يؤمن الطبيعيون ، الذين يؤسسون معرفتهم علي العلم – وعلي المشاهدة – بكل شيء طبيعي. لذلك فكل شئ غير طبيعي لا يمكن أن يوجد.

 

تقدم نظرية المعرفة لدي الإنسانيين ميتافيزيقية خاصة – علي العلم – و يؤمنون أن العلم يخبرنا أننا ثمار الصدفة والتطور في ملايين السنيين . وهم ينادون بهذه المعرفة ويضعون وجهة نظرهم لتلائم العلم، فالكون هو كل الوجود وليس هناك وسيلة أخري للحصول علي المعرفة إلا العلم، لذلك لا يوجد ما هو فوق الطبيعي . لكننا عندما ننظر نجد أن هذه الأسس تتطلب الإيمان بالعلم كالوسيلة المطلقة للإدراك – لكن الإيمان بما هو فوق الطبيعة لا يمكن الاعتراف به . و يقرر ساجان بأن ” العلم صار نفسه نوعا من الدين”12 و هذا تناقض ذاتي ، ويعترف لامونت أن التغيير شرعي و يجيب عليه بهذه الطريقة:

” يثار الجدل أحيانا علي أنه يجب أن يعمل العلم ( كالدين) فروضا أساسية . فليس لنا الحق أن نعتمد علي العلم في تحليل فكرة الخلود بل علي الدين . والإيمان بالطرق والاكتشافات العلمية هو مجرد إيمان مثل الإيمان بالدين، و للإجابة علي هذا يمكننا أن نقول أن التاريخ يوضح أن الاستناد علي العلم أثمر أكثر من التطور وامتداد الحقيقة من الاتكال علي الدين.”13

بالنسبة للطبيعي ، يعتبر العلم هو الوسيلة الأساسية للإدراك ، لذلك فهو الوسيلة الوحيدة للمعرفة و يجب تطبيقها علي كل جوانب الحياة بما فيها الاجتماعية و الأخلاقية حتى نحصل علي فهم أفضل لعالمنا. و لا تنفصل المعرفة عن العلم عند الشخص الطبيعي بل في الحقيقية يتطلب الإيمان بالعلم كالوسيلة الوحيدة في الحصول علي المعرفة في هذا العالم الحاضر.

مشكلة العقل والجسد

تشكل نظرية المعرفة الميتافيزيقية عند الإنسان الطبيعي مشكلة خاصة في الفلسفة الإنسانية و يشار إلي هذه المشكلة تقليديا بمشكلة العقل/ الجسد لأنها تتساءل ” هل العقل موجود منفردا في الطبيعة كما يوجد الجسد أم أن العقل هو أكثر من مادة؟

يؤمن أتباع الحركة الإنسانية بصفة طبيعية أن العقل هو(الإدراك، الشخصية، النفس) سوف نشير إلي هذه الظاهرة بالعقل حتى نستمر في الحديث – وهو ببساطة المخ و هو مجرد امتداد للعالم الطبيعي ، ويسهل شرحه في مصطلحات طبيعية خالصة. يأتي هذا الإيمان من نظرية المعرفة لديهم ، فالعلم هو أفضل وسيلة للحصول علي المعرفة و المعرفة لدي الإنسانيين تعضد الإيمان الميتافزيقى بأن الحياة نبعت تلقائيا

و تطورت إلي الصورة الراهنة، و حيث أن النظرة إلي الكون تسمح فقط بوجود المادة لذلك يجب أن يكون العقل بطريقة ما ظاهرة طبيعية و تسمي هذه الظاهرة بالأحادية – بينما النظرة المعارضة تري ان العقل هو أكثر من خليط من المادة وتسمي هذه الظاهرية بالثنوية.

بحسب الفلسفة الطبيعية ، العقل البشري المدهش هو نتيجة عملية التطور و يقول لامونت   “تتبع الحركة الإنسانية الطبيعية ….. وجهة النظر أن الكون المادي جاء أولا ثم برز العقل في الإنسان و الحيوان بعد حوالي2 بليون عام من التطور علي هذه الأرض المادية.”14

استخدام وجهة النظر الأحادية

تتطلب المعرفة الطبيعية و الميتافيزيقيا وجهة نظر أحادية ، هذه النظرة بدورها تؤدي إلي نتائج ضرورية كثيرة عند تابع الحركة الإنسانية . الأولي تجيب علي التساؤل ” هل الإنسان خالد؟ يقول لامونت وهو يقبل النتيجة الوحيدة المتفتحة علي الطبيعية ” إذا كانت النظرة الأحادية النفسية صادقة في الإدعاء الطبيعي ، المادي والإنساني عندئذ لا يمكن أن يقاوم للإدراك البشري مع ذاكرته و إدراكه الذاتي صدمة النقض أو الموت . بحسب هذه النظرة ، يحيا الجسد و الشخصية معا وينموا ن معا ويموتان معا ” 15

وطبقا لتابع الحركة الإنسانية فإنه لا حياة بعد الموت . وفي الحقيقة فإن إنكار ما بعد الموت يتأصل في وجهة النظر الإنسانية بشدة لدرجة أن لامونت يري أن الإيمان بالفناء هو الخطوة الأولى في أن يصير الشخص إنسانا و يكتب قائلا ” قضية الفناء هي نقيض الخلود وفي جدل النزعة الإنسانية مقابل ما هو وراء الطبيعة . لأنه إذا تحقق الناس أن مستقبلهم هو مجرد الحياة فى هذا العالم ، فان الوجود الأرضي هو كل ما يمتلكونه، عندئذ يكونون قد قطعوا شوطا كبيرا من طريق الحركة الإنسانية العادل.” 16

 

نظرة مختصرة علي روي وود سيلارز

——————————————

1905 – بدأ يدرس ا لفلسفة في جامعة متشيجان

1922 – نشر التطور الطبيعي

1928 – نشر ” الدين عبر العصور”

1933 – يعتبر المؤلف الأساسي “لبيان الحركة الإنسانية الأول”

1955 – نال جائزة التكريم من منظمة الحركة الإنسانية الأمريكية

1955 – انتخب رئيسا لميثاق نيويورك A H A

النتيجة الضرورية الثانية للحركة الإنسانية في معتقداتهم هي أن العقل تطور خلال عمليات طبيعية . بحسب هذه النظرة ، لا يوجد ضمان أن العقل هو شئ خاص علي الإطلاق – يمكن أن يكون هناك تغيير أفضل في يوم ما. و يعتقد الإنسانيون أن هذا العقل الكبير هو الذي خلق في الوقت الحاضر. يعلن فيكتور ج سبتجر مؤلف ” ليس من التصميم” ” سوف تكون أجهزة الكومبيوتر في المستقبل ليس فقط متميزة للناس في كل عمل عقلي أو بدني لكنها ستكون ايضا خالدة ” يعتقد أنه سيصير من الممكن انقاذ ” الأفكار البشرية التي يتكون منها الإدراك ” في ذاكرة هذه الأجهزة كما في أجهزة البرمجة بصورة تقدم لهم كل سلسة الفكر البشري . بعد كل هذا يقول ” إذا كان الكومبيوتر مجرد إله ، هكذا يكون مخ الإنسان … لهذا لماذا لا ينبغي أن يكون الكومبيوتر هو الخطوة التالية في سلسلة التطور ، ليكون الوعي الجديد أكثر إدراكا ؟ ويري ستنجر هذه الإمكانية حقيقة و يختم بالقول ” ربما كجزء من هذا الإدراك نصير الله.” 17

يبدو الأمر كخيال علمي ! في وجهة النظر الطبيعية الأحادية ليس الأمر إمكانية منطقية بل احتمال . خلق التطور البشري من المادة . التطور و الاختيار الطبيعي لا يزالا يعملان ليقررا أن العقل البشري و الكومبيوتر ليسا في الحقيقية أكثر من مجرد عقل مادي له كفاية عالية ، وربما تكون هذه هى الخطوة التالية المحتومة في سلسلة التطور في الوجود.

الفلسفة الطبيعية – مع إنكارها لما هو فوق الطبيعة وتمسكها بالعلم كمصدر للمعرفة -تتطلب ليس فقط نتائج محددة عن العقل و الأخلاق ، لكنها أيضا تستخدم وجهة نظر واضحة . هذه النظرة كما يتبناها الإنسانيون تميل إلي السمو في قدرتهم علي السيطرة علي مصيرهم ، لكن في نفس الوقت تجد صعوبة شديدة للتغلب علي التشاؤم .

يعتقد -ي إ برت ” التوافق الأعظم الضروري في خطة الحياة الحكيمة هو قبول عالم مخلوق لأجل الإنسان لا يطلب منه دين، في أعماله الرئيسية يكون خارج سيطرته “ 18

و قد نقل هذا الاتجاه طليرا نس داور بأكثر فصاحة ” غرض الإنسان هو مثل غرض الضفدعة الصغيرة التي تتذبذب في كل مكان دون أن تموت أو تقلق علي الحياة حتى يأخذها الموت “

Comments are closed.