في بحثهم عن المجتمع الكامل، يعتقد الماركسيون أن الاقتصاد. ووسائل الإنتاج تلعب الدور الأساسي، بينما يثق أتباع الحركة الإنسانية العلمانية في الحكومة العالمية ان تقودنا إلى أرض الموعد. وتطلب كل من النظريتين نظاما عالميا مؤسسا على الإلحاد والاشتراكية.
يعتقد الماركسي أن الجدل عمل كثيرا في التاريخ ليقود المجتمع إلى مجموعة من التركيبات من الشيوعية البدائية. إلى العبودية إلى الإقطاع، الرأسمالية وأخيرا إلى الاشتراكية. والاشتراكية نفسها هي نقطة تحول الرأسمالية والشيوعية. تنادي النظرية الماركسية أن العامل (الأطروحة المضادة) سوف يصطدم مع الرأسمالي (الأطروحة) فنتج الثورة التي تقود إلى الاشتراكية العالمية- ثم الشيوعية. سيكون هناك ضرورة إلي الدكتاتورية العمالية تحت إشراف الحزب الماركسي/ اللينيني) أساسا للقيام بالنظام العالمي بالقوة. لكنه سوف يذبل بقدوم الشيوعية. ونفس الحالة هناك ضرورة إلى القانون لتحويل البشر إلي الشيوعية ثم يختفي القانون بعد ذلك.
بالنسبة لباقي وجهات النظر الماركسية هناك نقص في نظرياتها فيما يتعلق بالحضارة ومؤسستها. إذا كان الإنسان قليل الشأن في الجدل، لماذا يشجع العمال علي الثورة – ألا يحدث التغيير الاجتماعي حتما إذا تطلبه الجدل؟ أكثر من هذا، هل يتوقف الجدل عن العمل عندما يتحقق المجتمع الكامل (الشيوعي)؟ أم أن الشيوعية تأتي بوضع آخر يتصادم مع التركيبات الأخرى؟ بمعني آخر- إذا كان التركيب عبارة عن تحول فإن المجتمع اليوطوبي سيكون أيضا تحولا ومنطقيا يفسح المجال إلي نظام اجتماعي آخر.
يخلق إصرار الماركسي – على أن الاشتراكية هي تحسين للرأسمالية- مشكلة عظمي. ربما كان يمكن إعطاء بعض الأهمية لهذا الادعاء منذ قرن مضي، قبل التجربة الاشتراكية الكبرى في روسيا السوفيتية، لكن الفشل المستمر في الاقتصاد السوفيتي يعلن بكل وضوح أن الاشتراكية غير علمية. وكما أعلنت المسيحية الكتابية أن كل ما يعمله النظام الاشتراكي هو أن يسلب الإنسان أي ابتكار لتحسين نفسه. أنه ضد طبيعة الإنسان المؤسسة على العدالة. البشر الكسالى الذين لا ينتجون- بسبب الدراسة يقفون كالسيارات في صف طويل- لا يجب أن ينالوا نتيجة معادلة. الطالب الذي يذاكر بجد ويكسب تقدير الامتياز. لا يجب ان يشارك تقديره مع من لا يذاكر بجد. الاشتراكية تفرق ضد المنافسة، الجد، الإنتاج. وتشجع على الحقد والكسل بين الفقراء، الذين كانوا في المجتمع الرأسمالي يحصلون على الخصوبة ويحصدون الشعور بالجدارة الشخصية وليس الحقد.
أكثر من هذا، لا تسرع الاشتراكية بإلغاء الفوارق الطبقية (كما تدعي الماركسية) لكنها تخلق صفوة جديدة. ، أشار الباحث العالم فيلو أرنولد بيكمان إلى أن الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق خلقت طبقة تعرف بالاسم الخاص. (يشار إليها غالبا” برجوازية الدولة” أو طبقة المستفيدين الذين لهم الحق المغنصب) هذه الطبقة بحسب بيكمان هي المثال الأساسي في عدم المساواة التي أنتجتها الاشتراكية. أعضاؤها ” يمتلكون كل شيء- المصانع الأوتوماتيكية، البيوت الريفية، سوق الطعام، الصيدليات، نظام النقل – المحلات الكبيرة وكل شيء “وبدلا من تحطيم الفوارق الطبقية، خلقت الاشتراكية طبقة لها السلطان الكامل. يقول ميلوفان ديلاس ” نتج عن الثورة الشيوعية في أسلوب التخلص من الطبقات- نظام السلطة الشاملة لأي طبقة بمفردها” . اعتمدت هذه الصفوة المؤسسة على الروابط السياسية، وطبقت الأيدلوجية الشيوعية، قادت الاقتصاد السوفيتي إلي الأرض. بعد أن واجهت النتائج المأساوية في تطبيق الاشتراكية، لماذا يهتم أي شخص في الحصول علي اشتراكية متقدمة؟ يقتلع الاتجاه الماركسي نحو الملكية الخاصة الدافع على العمل ويستبدله بالقسر الحكومي وجعل الإنتاج يكدح في ترنح واضح – ثم يرغب في إزالة الظلم. وبصورة ما نسمع أن الجدل سوف يقود البشر إلي مجتمع مجيد، فيه يعمل الإنسان بحسب طاقته، وينال ما يحتاج إليه. لكن الاقتصاد في الصين، كوبا وأي بلد ماركسي في العالم يوضح أنه مجرد الظل الباهت لهذا المجتمع (الاشتراكية) يخلق بيئة، فيها تضعف الإنسان علي إظهار المقدرة وتزداد في إظهار الاحتياج.
هذه هي نفس المشكلة التي تواجهها الإنسانية العلمانية التي تنادي بإعادة توزيع الثروة. يجهلون الحقيقة أن إعادة التوزيع يشجع أن يعمل المستفيدون منه ليس ليكسبوا عيشهم، لكن لإعلان الاحتياج للحصول علي أكبر قطعة من الغذاء الذي يعاد توزيعه. وأكثر من ذلك ترفض كل من الحركة العلمانية، والماركسية أن تعترف بأن التجارة الحرة والملكية الخاصة والمهارات – يمكن استخدامها لكثرة الإنتاج وخلق مجتمع أغني. في المقابل، برامج إعادة توزيع الثروة هو مجرد تفتيت الثروة يشجع على الفكر الاستهلاكي أكثر من الإنتاج. ليس السؤال هو ” كيف أزيد إنتاجي؟ لكنه ” كيف أحصل على المزيد؟ ” هذا واضح حتى في الولايات المتحدة التي كان يجب أن تتعلم من فشل الاشتراكية حول العالم – لكنها بدلا من ذلك تحتضن الخطة بعد الخطة لإعادة توزيع السلطة.
أعظم تصدع في النظام الاشتراكي في كل من الإنسانية العلمانية والماركسية. أشار إليه رجل الاقتصاد والفيلسوف الاجتماعي لودفيج فون فيرس منذ سنوات. يحاول الاشتراكيون إبدال آلية السوق الحرة بخطط مركزية. يعتقدون أن العدد الكافي من الاقتصاديين يستطيع أن يتخذ القرارات الصحيحة فيما يجب عمله للإنتاج وكم يجب أن ينتجوا، يحدد الأسعار المختلفة بقدر كاف وعمل ضوابط للاحتياج. هذا الادعاء غير قابل للعمل نظريا كما أنه ثبتت عدم فاعليته عمليا في العديد من الدول الاشتراكية.
لا يوجد رجال أخلاق يمكنهم أن يدركوا كل العوامل الاقتصادية ليتخذوا مثل هذه القرارات. تزدهر الأسواق السوداء في تلك األوضاع لأنها تمد الناس بالبضائع وتقدم لهم الخدمات التي يحتاجون إليها- بشيء لم يظهر ان المخطط المركزي نفسه قادر علي إنجازه.
هكذا نري المخططين المركزيين، رغم فاعليتهم، أنهم منطقيون في الفكر غير المسيحي. لأن هذه الوجهات تعتقد أن الإنسان صالح في أصله، يتوقعون أنه، إذا كانت هناك سيطرة كافية على البيئة، يمكن أن يخلق الإنسان المجتمع السليم. بحسب الفكر الماركسي والحركة الإنسانية، يجب على المخططين المركزيين أن يعملوا أكثر من السوق الحرة، لأن السوق الحرة جزء من مجتمع يؤثر على الإنسان تأثيرا غير سليم.
بإعادة تشكيل الاقتصاد، يمنح البشر الصالحين بالفطرة سيطرة أعظم، علينا أن تتحرك إلى مجتمع نرغبه بصورة أكبر. ثمر هذا الفكر واضح: نحتاج فقط إلي منح البشر سلطة أكبر- أن نقوم بتوسيع الحكومة قليلا – قبل أن تكون لنا السيطرة الكاملة علي البيئة لتكملها.
نستطيع أن نتخيل كيف أن البيروقراطية تنتشر في المجتمع الاشتراكي، عندما نضع في الاعتبار كل المخططين المركزيين. ثم نضيف الرجال والنساء المسئولين عن البرامج الاجتماعية لخلق أسر صحية ومهندسين اجتماعيين، مثل مستشيري الصحة العقلية، رجال اجتماع وسيواجهك نظام حكومي أكثر تعقيد.
من الطبيعي أن تتردد كل من الماركسية والعلمانية في مناقشة هذا الاتجاه في نظرتهم السياسية حيث أن البيروقراطية إصلاح غير محبوب. ينكر الماركسي في الحقيقة، الدور الذي تقوم به الحكومة في تشكيل وجهه نظره مدعيا أن الدولة سوف تزول في المجتمع الشيوعي. يأتي السؤال: متي يمكننا بالتحديد أن نري الدولة تبدأ في الزوال؟ هل يوجد قائد ماركسي يمكنه أن يتخلى عن السلطة ولا يتلاعب بها أكثر؟
هذه أسئلة لا يجاب عنها لسبب بسيط أنه لا يوجد شخص ذاق السلطة يمكنه ان يتخلى عنها. قال لورد أكتون أن السلطة تميل إلى الفساد. كلما زادت سلطة شخص ما، كلما عمات على إفساده. وهذه مشكلة- لا يمكن حصرها في وجهة النظر الماركسية- يجب أن يجيب تابع الحركة الإنسانية العلمانية بطريقة مختلفة عن نفس الأسئلة. متي تكبر الحكومة بصورة كافية؟ حتى تحل المشكلات التي يواجهها الجنس البشري- من العبودية إلي القتل- يمكن أن تلوم الحركة العلمانية والماركسية المجتمع وتطالبان بحكومة أكبر لتصحيح تصدع البيئة. الاتجاه الآن هو إلي تأسيس حكومة عالمية ضخمة واحدة للسيطرة علي كل الجنس البشري لتوجيه التطور البشري نحو مكان ما غير معروف.
يلقي نداء إقامة حكومة عالمية اهتماما كبيرا من المسيحيين. بعد معاينة الحركة الإنسانية العلمانية يخلع المسيحيين من الميدان العام في أمريكا في الثلاثين سنه الأخيرة، يجد المسيحيون المبرر في مقاومتهم لقيام الحكومة العالمية التي تعمل نحو الهدف نفسه في مجال عالمي. سوف يبني هذا النظام علي الاتجاه المادي وليس علي القيم المسيحية حيث أن المشرفين عليه (من الحركة العلمانية ومن الماركسية، والعصر الجديد) هم ضد المسيحية. ترجع جذور النزعة العالمية إلى مز 2: 1-2 وجزعها وأغصانها إلي رؤ 13
يعرف المسيحي الغرض الزائف الذي يشكل أساس سلطة الحكومة المغرورة. يفهم أن اللوم يقع ليس فقط علي البناء الاجتماعي الخاطئ، لكن أيضا علي الفساد الموروث في كل قلب بشري. وهكذا تطالب المسيحية بالعلاج- إنجيل المسيح هو الذي يغير- ويعالج المرض فعلا. يجب أن يعترف الإنسان بمسئوليته عن أعماله، تهب النظرة المسيحية كل فرد فرصة تحطيم قيود الخطية بدلا من تحميله اليأس نتيجة وضع الثقة في الحكومة لحل مشاكل العالم، يقول “جون واريك مونتجومري” أن المسيحية تؤكد أن الإنسان، لكونه متمركز ذاتيا، يمكنه فقط أن يخلص ويتغير، لكي يتعامل مع جاره بكرامة لائقة عندما يعترف أنه ليس في إمكانه أن يقوم بواجبه أو يخلص نفسه-فيعتمد بالكامل علي الله في المسيح من أجل الخلاص”
تعود الأفكار الخاطئة عند الماركسيين وأتباع النزعة الإنسانية العلمانية إلى فروضهم الزائفة للطبيعة البشرية التي تنبع بدورها من الأفكار الزائفة عن أصل الإنسان بإعلانهم أن الله غير موجود وأن الطبيعة نظمت نفسها عن أصل الإنسان، تجرد وجهة النظر الإنسانية العلمانية الله من السيادة وتضعها علي الدولة. لا تعترف الحركة الإنسانية العلمانية والحركة الماركسية أن وجهتي نظرهما تمنح السيادة للدولة، لكن تبقي الحقيقة البسيطة أنه باستثناء فقدان الحكومة، يحتاج البشر إلي أساس مطلق به يحكمون على الأعمال الفردية، وإذ أنكرت وجود الله يجب علي الدولة أن تمارس دورها. وهكذا تقع السلطة المطلقة في أيدي السياسيين- الذين ليسوا، رغم ادعاءات الحركة الإنسانية العلمانية- معصومين من السخرية أن يعارض أحد رجال فكر الحركة الإنسانية المشهورين- توماس جيفرسون بشدة الحكومة الكبرى. يعتقد أن الحكومة الصالحة هي الحكومة التي ” تمنع الناس من أن يؤذي الواحد منهم الآخرين، أو تتركهم في إصرار على تنظيم أمورهم الخاصة في الصناعة والإصلاح، ولا تنتزع من فم العامل الخبز الذي اكتسبه”. هذا النموذج من الحكومة مشابه للحكومة الصحيحة التي ورد وصفها في رو 13: 1-5. ومن المنطقي أن يفهم الشخص الدور الحقيقي للحكومة ومسئولية الإنسان عن أعماله.