شاول بن قيس والخوف

نجدة الخائفين

شاول بن قيس والخوف

“فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «أَخْطَأْتُ لأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ الرَّبِّ وَكَلاَمَكَ، لأَنِّي خِفْتُ مِنَ الشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ. وَالآنَ فَاغْفِرْ خَطِيَّتِي وَارْجعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ».” (1 صم 15: 24-25).

قال الله للملك شاول أن يذهب لغزو عماليق وقال له أن يحرم كل شيء حي من عماليق بدلا من ذلك، أنقذ شاول أفضل الماشية، وأنقذ حياة الملك أحاج. جاء صموئيل إلى الملك شاول وقال له إنه عصى! كذب شاول بل وألقى باللوم على الناس في خطيئته. في1 صم 15: 24، قال شاول انه يخشى رأي الشعب كان مهتما برأي الشعب أكثر من اهتمامه بطاعة الله. كان يخشى الإنسان بدلا من الله.  وعفا شاول والشعب عن اجاج وعن خيار الغنم والبقر والثنيان والخراف وعن كل الجيد ولم يرضوا ان يحرموها. وكل الاملاك المحتقرة والمهزولة حرموها.

 

كانت بداية شاول جيدة، ولكن عصيانه عطَّلت ما كان يمكن أن يكون ملكاً ممتازاً يكرم الله في شعب إسرائيل. كيف يمكن لشخص كان قريباً هكذا من الله في البداية أن يهوي بهذه السرعة ويفقد رضى الله؟ لكي نفهم كيف إختلطت الأمور في حياة شاول يجب أولاً أن نعرف شيئاً عن الرجل نفسه. من هو الملك شاول، وما الذي يمكن أن نتعلمه من حياته؟

أو في وقت لاحق في 1 صم 15، عصي شاول الله، تجاهل كلمات الرب، “حرم كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامراة. طفلا ورضيعا. بقرا وغنما. جملا وحمارا. كما هو مفترض. صموئيل يواجهه ويسأل: “لماذا إذن لم تطيع صوت الرب؟ لماذا تحرم الغنائم وتفعل ما هو شريرا على مرأى من الرب؟” وقال شاول من العمالقة قد اتوا بها لان الشعب قد عفا عن خيار الغنم والبقر لأجل الذبح للرب إلهك. واما الباقي فقد حرمناه.

الإسم “شاول” يأتي من الكلمة العبرية التي تنطق “شا-وول” بمعنى “سأل”. كان شاول هو إبن قيس من سبط بنيامين. وكان من عائلة ثرية (صموئيل الأول 9: 1)، وكان طويل القامة، ذا بشرة داكنة، وجميل المنظر. تقول كلمة الله أنه “لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحْسَنَ مِنْهُ. مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ الشَّعْبِ” (صموئيل الأول 9: 2). وكان مختاراً من الله لقيادة شعب إسرائيل المشتت، لأنهم كانوا في ذلك الوقت مجموعة من الأسباط بدون قائد يجمعهم غير الله، ولم تكن لهم حكومة رسمية. وقد ظهر بينهم قادة في أوقات الأزمات، ولكنهم لم يقوموا بتوحيد قوى الأسباط الإثني عشر كأمة واحدة. كان صموئيل النبي هو القائد الروحي لإسرائيل قبل ملك شاول بسنوات، ولكنه لم يكن ملكاً. في الواقع، كان يوجد في إسرائيل قضاة يحكمون في الخلافات المحلية (صموئيل الأول 8). ولكنهم لم يكونوا مؤهلين للحكم في أوقات الحرب. فليس من المبالغة القول أن صموئيل وشاول عاشا في أوقات مضطربة. كان الفلسطينيون أعداء لإسرائيل، وكانت الحرب تندلع بينهم من وقت لآخر (صموئيل الأول 4). وبسبب التهديد المستمر بالحرب، والرغبة في أن يكونوا مثل الأمم المحيطة بهم، ضغط الشعب على صموئيل لتعيين ملك يحكمهم (صموئيل الأول 8: 5). رغم أن طلب الشعب أن يكون لهم ملك لم يرضي صموئيل، إلا أن الله سمح لهم بذلك. كان الناس قد رفضوا ملك الله عليهم، وتركوه، وعبدوا آلهة أخرى (1صم 8: 6-8). قال الله لصموئيل أن يمسح لهم ملكاً كما طلب الشعب، ولكن أيضاً “أَشْهِدَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَخْبِرْهُمْ بِقَضَاءِ الْمَلِكِ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ” (1صم8: 9). وهكذا، صارت مهمة صموئيل أن يمسح ملكاً من بين الشعب. وتم مسح شاول سراً كأول ملك على كل أسباط إسرائيل (1صم 10: 1) قبل أن يتم اختياره بقرعة علنية .

بدأ ملك شاول على إسرائيل بسلام حوالي عام 1010 ق.م.، ولكن السلام لم يدم. كان من أشهر أحداث حياة شاول المواجهة مع الفلسطينيين في وادي البطم. هنا قام جليات بتعيير الإسرائيليين لمدة 40 يوماً حتى قتله داود (1صم 17). وبعيداً عن حادثة الخوف وعدم الثقة هذه، كان شاول قائداً عسكرياً ماهراً. كان من المهارة حتى أن حكمه تعزز بإنتصاره في يابيش جلعاد. وكجزء من الانتصار تم إعلانه ملك من جديد في الجلجال (1صم 11: 1-15). وقد استمر يقود الأمة في العديد من الانتصارات العسكرية مع تصاعد شهرته. ولكن أدت سلسلة من الأخطاء الخطيرة، إلى سقوط ملك شاول، بداية من تقديم ذبيحة بغير حق (1صم 13: 9-14). واستمر تدهور شاول عندما لم يقم بتحريم من كل عماليق وماشيتهم كما أمر الله. إذ تجاهل أمراً مباشراً من الله وقرر أن يبقي على حياة الملك أجاج مع بعض من البهائم. حاول أن يغطي خطيته بالكذب على صموئيل، بل في الحقيقة، الكذب على الله (صموئيل الأول 15). كان هذا العصيان هو القشة الأخيرة التي فارق روح الله شاول من بعدها(صموئيل الأول 16: 14). ويمكن القول أن افتراق الله وشاول هو من أكثر الأحداث المؤسفة في حياته.

ومع سماح الله لشاول أن يستمر ملكاً باقي حياته، إلا أنه ضربه روح شرير يعذبه ويجلب عليه نوبات من الجنون (1صم 16: 14-23). كانت سنوات شاول الأخيرة مأساوية حقاً حيث اجتاز فترات من الاكتئاب الجنوني. ولكن، تم إحضار داود إلى بلاط الملك، ليهدئ الملك المضطرب من خلال عزف الموسيقى التي كانت ترد للملك عقله مؤقتاً. تبنى الملك داود كأحد أبنائه، ولكن كل ذلك تغير عندما صار داود قائداً عسكرياً ماهراً. في الواقع، كانت إحدى المزامير الشائعة في ذلك الوقت “ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ”. وعندما أدرك شاول أن الله كان مع داود، صار الملك يحاول أن يقتل داود في كل فرصة ممكنة. نجح داود في تفادي محاولات عديدة للقضاء على حياته بمساعدة يوناثان ابن الملك، وميكال ابنة الملك.

 فقد قضى الملك شاول الكثير من الوقت والجهد والمال في محاولة قتل داود بدلاً من تعزيز ما كسبه من انتصاراته السابقة، وبسبب ذلك شعر الفلسطينيون بوجود فرصة لتحقيق انتصار عظيم على إسرائيل. بعد موت صموئيل، اجتمعت جيوش الفلسطينيين ضد إسرائيل. ارتعب شاول وحاول أن يطلب الرب، ولكنه لم يجد إجابة من خلال الأوريم أو الأنبياء. ورغم أنه كان قد طرد العرافين والوسطاء من البلاد، إلا أن شاول تخفى وذهب بنفسه إلى صاحبة جان في عين دور. وطلب منها الاتصال بصموئيل. ويبدو أن الله تدخل هنا وجعل صموئيل يظهر لشاول. قام صموئيل بتذكير شاول بنبوءته السابقة عن أن مملكته سوف تؤخذ منه. وقال لشاول أن الفلسطينيين سوف يهزمون إسرائيل وأن شاول وأبناؤه سوف يقتلون. بالفعل هاجم الفلسطينيون إسرائيل وانتصروا عليهم وقتلوا أبناء شاول بمن فيهم يوناثان. جرح شاول جرحاً خطيراً وطلب من حامل سلاحه أن يقتله حتى لا يأخذه الفلسطينيون ويعذبوه. رفض حامل السلاح بسبب خوفه، فسقط شاول على سلاحه، وتبعه حامل سلاحه.

توجد ثلاثة دروس يمكن أن نتعلمها من حياة الملك شاول. أولاً، طاعة الرب والسعي لتنفيذ مشيئته. كانت لشاول من بداية ملكه فرصة رائعة لأن يكون العلامة التي يقاس عليها جميع الملوك في المستقبل. كل ما كان عليه أن يفعله هو أن يطلب الرب بكل قلبه، وأن يطيع وصايا الرب، وأن يجعل إرادته متفقة مع إرادة الله، حتى يكون ملكه ممجداً لله. ولكن، كما هو حال كثيرين غيره، اختار شاول طريقاً مختلفاً وابتعد عن الرب. نجد مثالا واضحا لعصيانه حين أمره الله بقتل كل العمالقة، ولكن شاول أبقى الملك وبعض غنائم الحرب. كان هامان الأجاجي، الذي سعى فيما بعد لقتل اليهود من نسل الملك الذي استبقى شاول حياته. وقد ضاعف شاول مشاكله بكذبه على صموئيل بشأن ما حدث. فقد زعم أن الجنود احتفظوا بأفضل الماشية لكي يقدموها للرب   وقد أكد هذا الفعل، بالإضافة إلى الكثير غيره عبر فترة ملكه، حقيقة عدم إمكانية الثقة فيه لتحقيق مشيئة الله من خلاله.

الدرس الثاني الذي نتعلمه هو عدم استغلال السلطة المعطاة لنا. بلا شك أساء شاول إستخدام السلطة التي ائتمنه الله عليها  الله قد اختار شاول لأنه كان متواضعاً، ولكن مع الوقت استبدل ذلك التواضع بكبرياء أنانية مدمرة أدت إلى تدمير ملكه. درس آخر نتعلمه هو القيادة كما يريدنا الله أن نقود. يقدم ما جاء في رسالة بطرس الأولى 5: 2-10 الدليل الأعظم في قيادة من وضعهم الله تحت مسئوليتنا: “ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّاراً، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاِخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ، وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى. كَذَلِكَ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ اخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعاً خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِالتَّوَاضُعِ، لأَنَّ اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً. فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ، مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ. اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ. وَإِلَهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيراً، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ”.  

 

Comments are closed.