“تقود معرفة القدر القليل من الفلسفة الفكر البشري إلي الإلحاد لكن التعمق في الفلسفة يحول فكر البشر إلي الدين سير فرانسيس بيكون
بعد فحص الفلسفة في الحركة الكونية ، الماركسية و الحركة العلمانية ربما يفترض الشخص أن وجهة النظر المسيحية لا يمكن أن تكون لها فلسفة في ذاتها ، حيث أنها تتطلب الإيمان في الإعلان الكتابي . بحسب وجهة النظر العالمية ، تعتبر الحركة الكونية والمادية متأصلة بثبات في التقنيات العصرية الحديثة و الاختبار البشري المستنير . كيف يمكن للشخص المسيحي الذي يعزي الوجود أو الحقيقة إلي مجال خارج العالم المادي ، أن يبرهن علي معتقداته أنها حق ، مقبولة ، معقولة وجديرة بالحياة أو الموت من أجلها؟
لسوء الحظ يتبع بعض المسيحيين مثل هذا الاتجاه – مذعنين أن إيمانهم لا يمكن الدفاع عنه. يحاولون تجنب المشاكل كلها بتقرير أن ما يؤمنون به هو ” أبعد من العقل” يشير هؤلاء المسيحيون إلي كولوسي 2: 8 حيث كتب بولس ” انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل” من هذا يخلصون أن الله لا يريدنا أن نتطفل في نظام الفلسفة الضال المخادع.
مع هذا فإن الناس الذين يشيرون إلي هذه الآية كتحذير ضد الفلسفة غالبا ما يحذفون باقي الآية التي يصف بها بولس نوع الفلسفة التي يحذرنا منها التي هي ” حسب تقليد الناس، حسب أركان العالم وليس حسب المسيح”
و لا يطلب الكتاب المقدس من المسيحيين أن يتخلوا عن العقل في قبول الحق . يقول إشعياء ” هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج” اش 1: 18
و يشجع بطرس في الرسالة الأولي 3: 15 المسيحيين أن يكونوا
” مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم” لكن هل هذا ممكن؟ هل يمكننا الدفاع عن الإيمان المسيحي و بخاصة الفلسفة المسيحية؟
أمضي ي م جواد معظم حياته معتقدا أن أي تفكير عن الله غير مقبول ،
ياختتم بالقول ” … كانت وجهة النظر الكونية تبدو لي أنها تعطي لي معظم الحقائق و الاختبار أكثر من غيرها ‘كنت اقتنع بها بالتدريج” واختتم رحلته الشخصية بالاعتراف ” أنني الآن اعترف أن التفكير المتوازن يؤيد وجهة النظر المسيحية” هذا هو نفس الشخص الذي ظهر في إذاعة بي بي سي مع العالم الإنسانى برتراند راسل يهاجمان المسيحية سابقا .
كثيرون ممن يفكرون في أمور الحياة بعمق ” كيف أتيت إلي هنا؟ لماذا أنا هنا؟ إلي أين أنا ذاهب؟ ” يكتشفون ببساطة أن المسيحية تجيب علي الأسئلة بالكامل أكثر من أية نظرة أخري. يجد الذين يبحثون بشغف عن الحق أنفسهم وجها لوجه مع إله الكتاب المقدس.
من الجيد و المفيد النقاش فيما إذا كان الله موجودا ، لكن بالنسبة للبشر ، يكون التساؤل نقطة مجردة من أي قيمة – البشر يدركون وجود الله في داخل نفوسهم . حتى في عصرنا الحاضر تعتقد الغالبية العظمي من البشر في العالم بوجود الله ( الاستفتاء أفاد أن حوالي 95 % يؤمنون بوجود الله ، كما وجد بولس هذا الأمر مطابقا في أثينا ( أع 17: 23 )
و جد ” جين بياجيت” عالم نفس الأطفال أن الطفل في سن السابعة يؤمن بالغريزة بالكون الجميل العظيم
يميل الناس إلي الإيمان بأكثر حلول المشكلة احتمالا . لهذا السبب تؤمن الغالبية “في البدء خلق الله السموات و الأرض” (ا تك 1: 1) ” العالم و كل ما فيه”(أع17: 24)
كل شئ في الكون له غرض . من المعقول جدا الإيمان بسفر التكوين أكثر من الإيمان بأن هناك سلسلة من الأحداث الكونية أوجدت نظام الكون الجميل العظيم.
نظرة مختصرة علي الفين بلاتنجا 1932 –
1955- تزوج من كاثين دي يوير 1958 – حصل علي الدكتوراه من جامعة ييل 1965- عمل أستاذا للفلسفة في كلية كالفين 1967- نشر كتابا : الله و الأفكار الأخرى 1980- نشر : هل الله له طبيعة 1981 – عمل رئيسا منظمة الفلسفة الأمريكية الغربيه 1982 – عمل أستاذا للفلسفة في جامعة نوتر دام 2000 – نشر كتاب ” الإيمان المسيحي المضمون” |
الإيمان والمعرفة:
يمكن توضيح المعتقدات الأساسية في الفلسفة المسيحية علي أنها منطقية . حيث يمكن أن يستوعبها الرجال والنساء العاديون. لكن من المؤكد أن تواجه المسيحية مشكلة في المعرفة – كيف يمكن للمسيحي أن ” يعرف” دون أن يصطدم مع العلم و الاختبار ؟ هل يمكن للمعرفة التي يحصل عليها بواسطة الإيمان في إعلان الكتاب المقدس أن تتعارض مع المعرفة التي نحصل عليها من البحث العلمي في الكون؟
ليس الجواب صعبا كما يتخيل البعض . كل ما يقال و يفعل يتطلب إيمانا. أو كما يقول و ج هارت ” نظرة الإيمان الصحيحة هي الاستنارة التي عندها يبدأ المنطق الحقيقي” 4
و بينما يحاول الماركسيون و العلمانيون أن يصوروا العلم بالمعرفة الأساسية والإيمان في الاعلان الكتابي كمعرفة عمياء من درجة ثانية و الشك فيها. تبقي الحقيقة أن كل أساليب المعرفة تستند في الأساس علي فرض معين . كتب إدوارد ت رانسديل
” لا يعتبر الإنسان الطبيعي أقل إيمانا من الشخص الروحي . لكن إيمانه بالكون هو في الأصل شئ غير الإيمان بكلمة الله. وليس الشخص الروحي أقل ثقة في إدراك أمور لامنطقية عن الشخص الطبيعي لكن تفكيره مثل أي شخص يعمل في إطار وجهة نظر إيمانه”
المشكلة الأساسية في الفلسفة ليست المشكلة القديمة المتعلقة بالإيمان أوكما يقول داروين ك يونج ” المشكلة الأساسية هي أن بعض المفكرين يضعون ثقتهم في مجموعة فروض في بحثهم عن الحقيقة بينما مفكرون آخرون يضعون ثقتهم في مجموعة افتراضات مختلفة ”
أي أن يضع الماركسيون و الإنسانيون ( العلمانيون) ثقتهم في اكتشافات علمية واختبارات معينة، و لا يمكنهم أن يكتشفوا الحق كله. يضع المسيحيون ثقتهم في العلم والتاريخ والاختبار الشخصي لكنهم يعرفون أ ن هذه الأساليب فى إكتشاف الحق غير معصومة. يدرك المسيحيون أن رجال العلم يرتكبون أخطاء وبعض المحررين العلمانيين يتحيزون نحو فكرة ضد الأخرى ويدرك المسيحيون أنه يمكن أن ينحرف التاريخ أو يتشوه أو يتلف في منعطفات . و أن بعض الاختبارات الشخصية ليست مصدرا حسنا للمعلومات. ومن جانب أخر، يؤمن المسيحيون أن الإعلان الكتاب صادق و أن الله لن يضلل أولاده.
و لا تطيح الفلسفة المسيحية بالمنطق أو الاختبار في البحث عن الحق . تقول المسيحية أن العهد الجديد صادق بعد أن تم اختيار حقائقه . و لا يطلب المسيحيون من غير المسيحيين أن يؤمنوا بخرافات عجائزية . بل أن يضعوا في الاعتبار براهين تاريخية معينة ” ليقرروا أمور الحق” والمعرفة المسيحية مؤسسة علي براهين تاريخية معينة، و التي بدورها مؤسسة علي التاريخ ، الدليل المنطقي وعلم الآثار.
لا يقدم الفلاسفة الطبيعيون الفروض التي يقلبونها بالإيمان . وجميع الطبيعيين لا يؤمنون بما هو فوق الطبيعة . يقول يونج ” هذه النقطة يؤكدها الطبيعيون أنفسهم دون أن يبدوا أنهم مرتابون في حقيقة أن الأمر عاطفي أكثر من أنه نتيجة منطقية.”
الإيمان أمر حرج في كل فلسفة و علي الشخص الذي يطور فلسفة ان يكون حذرا جدا لكي يؤسس قضيته علي أكثر الفروض صحة – وإلا – عندما يتأكد أن أحد الفروض غير صحيح ” كما يبدو في نظرية التطور” فسوف تنهار الفلسفة بمجملها إذا انهار التطور ( وهذا الأمر ممكن – حيث لا يعتقد د/ كارل بوير أن التطور يتلاءم مع التعبير “نظرية علمية” . ستموت الماركسية والنزعات الإنسانية حضاريا .
عند هذه النقطة نضع أمرين فيما يتعلق بالفلسفة المسيحية . بتمسك الكثيرون بالرأي أنها أكثر وجهات النظر العالمية منطقية، وهي لا تتطلب إيمانا أكثر من أي فلسفة أخري . وفي الحقيقة لن تتطلب إيمانا أكثر من الإيمان الذي تتطلبه عقيدة التكاثر التلقائي. وفي الحركة الماركسية والحركة العلمانية هناك عمل عشوائي أي وليد الصدفة – هذا ما لا تفعله في قبول العقيدة المسيحية في خليقة الخالق للكون
المصالحة بين العلم و الفلسفة المسيحية
يبدو أن توافق الأمور فوق الطبيعية مع العلوم أمر مستحيل ، لكن في ضوء المناقشة السابقة من الضروري وجود مصالحة مهما كانت صغيرة.
و في الحقيقة ، يعرف الفيلسوف المسيحي الحكيم الأسلوب العلمي كحليف له قيمته بالإضافة إلي تأييده للجدل اللاهوتي ، إلإ أن العلم أيضا يطفو فوق الجدل الكوني و يثير تساؤلات خطيرة عن المادية ( التي لا تؤيد الاتجاه الطبيعي أو المادي )
يقول جواد أن العلم لا يهدد المسيحية ” لقد ذكرنا دائما أن الاستنتاجات العلمية معادية للمعتقدات الدينية. مهما كانت الأسس التي كونت وجهة النظر في الماضي ويصعب رؤية السبب الذي يربط هذه العلاقة اليوم” 8 يقتبس ستيفن سكواز أربعة اكتشافات علمية محددة تؤيد النتيجة أن الله موجود : القانون الثاني للديناميكا الحرارية ، استحالة توالد تلقائي في الحياة من عدم حياة ،التكوين الجينى ( DNA) ومبدأ أصل الإنسان الوصفي. والمسيحي لا يحتاج أن يكون العلم عدوا له . في الحقيقة ، يجب قبول العلم كوسيلة ناجحة للحصول علي المعرفة و تصميم الله للكون ، مثلما يقول ك س لويس ” في العلم نقرأ مذكرات قصيرة فقط ، في المسيحية نجد القصيدة نفسها ”
أصل العلم
يؤكد فحص تاريخ العلم الحديث للمقدمة المنطقية لما هو فوق الطبيعة أن العلم ليس معاديا لوضعه.
نشأ العلم الحديث بواسطة أشخاص نظروا إلي العالم من وجهة نظر مسيحية. لا يمكن للنظرة الماركسية أو الحركة الإنسانية بمعتقداتها الحالية – أن الكون نشا من مجموعة من الصدف – أن تكون أساسا للعلم الحديث . كتب فرانسيس شوفير ” حيث أن العالم قد خلقه إله حكيم ، لا يندهش العلماء أن يجدوا علاقة بين أنفسهم كمراقبين له و الأمور الملحوظة ، – بدون هذا الأساس -ما ولد العلم الحديث في الغرب”
كانت المسيحية هي أم العلم الحديث ” كتب نورمان أي جيسلر ، ج كيربي اندرسون
” العلم في أصله” فصلا بعنوان ” الجذور الطبيعية للعلم الحديث ” داافع كل من الفريد نورث هوايتهيد ، ج روبرت اوبنجهر عن وجهة النظر هذه . كتب الفيلسوف ومؤلف العلوم ستانلي ل جاكي أنه من الوجهة التاريخية كان الإيمان بالخليقة و الخالق هو لحظة صدق للعلم . و دافع جاكي بقوة عن هذا الوضع ” في أصل العلم و منقذ العلم هو الإيمان الصخرة التي نشأ عليها العلم”
إذا أعدنا فحص تقارير شوفير و جاكي نلاحظ أن كل تقرير يعلن أنه مؤسس علي حقيقة أن العلم أفترض كونا منظما . إذا كان الإنسان يؤمن أن الكون غير منظم أو خرب فهو لا يتوافق مع العلم الذي يستند علي المادة ليعمل بأساليب معينة أو تحت أوضاع مضبوطة . ونحن علي الأرض نتوقع دائما سقوط التفاحة إلي أسفل و ليس إلي أعلي لأننا نؤمن بقانون ثابت وهو قانون الجاذبية . يقول لويس أن البشر صاروا علمانيين لأنهم يتوقعون “عمل قانون في الطبيعة وهم يؤمنون بوجود مشرع (واضع القانون)” بمعني أخر . يزودنا أصل العلم الحديث نفسه بأسس الجدل الغائي ( الغائية) – الجدل حول تصميم من المصمم الأكبر.
الميتافيزيقا : الوجود / الكون
النظرة المسيحية للميتافيزيقا – الحق المطلق ( الوجود / الكون) هي جزء لما أطلق عليه ك. س. لويس ” المسيحية وحدها ” هناك فعلا أمور معينة يؤمن بها المسيحيون وإحداها هي ان الله هو المصدر الأعلى لكل الوجود والحقيقة . هذه الحقيقة مطلقة و لأنه موجود فنحن موجودون. ويقول كارل ف أن خليقة الفراغ الزمني الكامل يعتمد علي الله – الخالق من أجل ” دقتها ومغزاها وهدفها ” 14 هذه الحقيقة عاقلة لأن الله عاقل ويمكننا أن نفهم نظامه الحكيم .
ويؤمن المسيحي بوجود المادة لكنها ليست المادة المطلقة . وهي حقيقية لكنها ليست الحق المطلق و هي ليست خالدة . لكن ، العالم المادي خلق بقصد في فكر الكلمة الحية ( لوجوس) يو 1: 1-4
و كل الوجود الذي يوجد فهو من الله ، ويعتمد علي الله وفي وجوده نفسه . وفي تفسيره لسبب الوجود . وفي تفسير أخر، التفسير المسيحي للعالم المادي هو أن من هو فوق الطبيعة هو الذي خلق الطبيعة.
حيث أن إله الكتاب المقدس هو إله فوق الطبيعة وهو إله عاقل ، قوي له هدف أن الكون نفسه الذي خلقه يحتوي علي المقومات. فلا توجد صدفة في أي مستوي من الوجود، جزئيات الذرة ، الذرة ، العضوية ، غير العضوية، غير العضوية ، الإنسان وما هو أقل من الإنسان و الأرض ، الشمس ، القمر ، الكوكب ، المجرات كل شئ يعد النظام المدهش والعقلانية يمكن أن تفسرهذا المنطق كنتيجة لعمل الله المقصود أن تعتبر المسيحية أن العالم المنظم هو سلسلة من الصدف أو العشوائية أم غير مقبول .هذا الوضع هو مساو لوجود كوبري – طائرة – سيارة- ناطحة سحاب بدون مهندس ، خطة أو مصمم . لا يحدث أي أمر كهذا . الأسلوب الحقيقي هو في عقول ينقصها الإيمان بما هو فوق الطبيعية و الإيمان بالكتاب المقدس .
تحتوي الآيات الأولي في إنجيل يوحنا 1 علي الميتا فيزيقا المسيحية في اختصار ” في البدء ( بدء الكون ) كان الكلمة (لوجوس، العقل المفكر ، الحكمة ، الذكاء، القانون ، النظام، التصميم، ) وكان الكلمة عند الله و كان الكلمة الله. هذا ( نفس الكلمة) كان في البدء عند الله . به كانت كل شئ و بغيره لم يكن شئ مما كان . فيه كانت الحياة و الحياة كانت نور الناس” ( يو 1: 1-4 )
يوضح هذا النص مقياس الفلسفة و الفكر المسيحي قبل المادة . الله قبل الإنسان، الخطة قبل التصميم وقبل الخلق ، الحياة من الحياة ، الاستنارة من النور . قد صمم فكر الله العاقل المنظم هذا الكون قبل خلقه . وبدون لوجوس لم يكن وجود …… من وجهة النظر المسيحية . لا غرابة أن نري فلاسفة وعلماء يشيرون إلي الكون علي أنه من نتاج قانون حسابي ، نظام ، تصميم ، جمال … إلخ هكذا خلق ” في البدء”
يقول يونج ” من المحتمل ان يكون المسيحيون ثنائيون مؤقتا لكن ليس ثنائيون خالدون فهم يؤمنون بوجود نوعين من المادة : الروح أو الله و المادة التي خلقها الله من العدم كما يقترح اوغسطونيوس . المادة ليست روحا. ولا من نتاج الروح – لكنها في وجودها تعتمد دائما علي الله الذي خلقها من لا شئ “14 يختار يونج أن يستخدم كلمة
( الواقعية المسيحية ” ليقدم الفلسفة المسيحية . في محاولة لتصنيف الوجود من شئ أخر غير المادة نحن المسيحيون نستخدم تعبير ” فوق الطبيعي ” مهما كانت التسمية فإن الفلسفة المسيحية تتطلب ميتافيزيقا تتلاءم مع الكتاب المقدس.