داروين ، ماركس والمجتمع
اعتقد ماركس أن نظرية التطور لداروين يمكن أن تمتد طبيعيا لتجيب الأسئلة عن المجتمع الإنساني. يشعر أن المجتمع كالحياة نفسها مرفي عملية تطور و يجب أن تستمرالعملية حتى يتطور المجتمع اللا طبقي . أضاف ماركس فكرة التطور إلي وجهة نظره وكتب ” ساعدنا داروين في تاريخ التكنولوجيا الطبيعية أي في تكوين أعضاء النبات والحيوان . أي أعضاء تستخدم آلات إنتاج للحياة؟ ألا يستحق تاريخ الأعضاء الإنتاجية في الإنسان ، الأعضاء التي هي الأساس المادي للنظام الاجتماعى، انتباها مساويا؟”قرر انجليز هذا الإمر بأكثر وضوح ” كما اكتشف داروين التطور النوعي ، أكتشف ماركس قانون التطور في التاريخ البشري” 5
أعاد ف. ل. لينين تأكيد تطور ماركس مركزا علي طبيعة نظرية الأباء بقوله ” وضع داروين نهاية لوجهة النظر الحيوانية النباتية بأنها غير متصلة” بالخلق من إله ثابت” وكان الأول الذي يضع الأحياء علي أساس علمي مطلق….. كذلك كان ماركس …. يضع علم الاجتماع علي أساس علمي ”
في الحقيقة يفهم كل الماركسيون أن التطور هو الحجر الأساسي لوجهة نظرهم وأنه يدعم نظريتهم الاجتماعية التاريخية جيدا، لكن طبعا يوجد هناك سبب أعظم وأهم.
داروين و الغائية( الغاية)
كما تهدم فكرة وجود الله العقيدة الماركسية ، فإن أي فكرة عن الله تعارضها الماركسية مباشرة . الإلحاد هو قلب النظرية الماركسية و نظريتهم متماسكة بدون وضع الله في الصورة . مجرد أن يعترف الشخص بوجود الله أو حتى بما هو فوق الطبيعية تتعثر الماركسية. لهذااعتنق كارل ماركس و واتباعه نظرية تجعل الله غير ضروري بخصوص أصل الحياة .
أعلن ماركس أن أصل الأنواع ” أعطي ضربة قاضية للوجود” ف. ف. قستنيطنوف في كتابه ( أساسيات الفلسفة الماركسية /اللينينة) يرد قائلا ” نظرية داروين في التطور هي أعظم ثالث اكتشاف في منتصف القرن التاسع عشر. وضع داروين نهاية لفكرة أن النباتات و الحيوانات مخلوقات إلهية غير متصلة مع أي شئ أخر، إلهي وثابت، وهكذا وضع الأساس لنظرية الأحياء”
هذا اكتشاف عظيم يمكن أن يفسر الكون، فقط بإعلان، أن الله العاقل صاحب الهدف القوي هو الذي خلقه، وهذا لا يقبله الماركسي. كما أنه ليس هناك مجال للمعجزات لذلك يجب عليهم قبول التطور بلا تحفظ.
التكاثر التلقائي
اتجاه نظرية التطور التي يعتز بها الماركسيون هو بالطبع التكاثر التلقائي بعيدا عن الله – يجب علي الشخص أن يؤمن يشدة في عقيدة أن الحياة نشأت من نقطة لا حياة.
يستخدم ماركس التوالد التلقائي ليعزز فلسفته وعقيدته بالقول ” تقابل فكرة خلق الأرض ضربة قاسية من الوجهة العلمية التي ترسم تطور الأرض كعملية توالد تلقائي” ثم يضيف ” أن التوالد التلقائي هو الرفض العملي لنظرية الخلق ” و يستمر الماركسيون في الاعتقاد بالتكاثر التلقائي بعد ماركس.و انجليز. ا. ل. أوبرين – عالم ماركسي- هو “أول من يعلن نظرية التوالد التلقائي في الحياة.” يعلن ” لدينا السبب أجلا أم عاجلا أن نثبت عمليا أن الحياة هي ليست إلا شكل خاص من وجود المادة”
كتب الماركسية الحديثة تعتقد بنظرية التوالد التلقائي. يعلن م. ف. موكليشين ” افترض ان البيوفزيقيا هي اصل الحياة التي سبقها التطور الكيميائي ….. اليوم تقبل مثل هذه الأفكار بالترحيب”
من المهم أن نلاحظ أي نوع من الأدلة تتخذ لإقناع الماركسية العلمية أن التوالد التلقائي غير علمي ، وقد فند لويس باستير 1822- 1895 نظرية التوالد التلقائي ، لكن من الواضح لم يكن انجليز مقتنعا ” محاولات باستير في هذا الاتجاه عديمة الفائدة للذين يؤمنون بهذه النظرية، ولن يقدر علي برهنة استحالتها إلا التجارب المعملية”
في الحقيقة استحالة التوالد التلقائي لا يمكن برهنته لشخص مثل ايجليز. لأنه يصعب برهنة حادث في مكان ما . ما لم يقع الحادث في موقع أخر. العبارة الأساسية في حوار انجليز هي ” للذين يؤمنون” . انجليز عنده الإيمان بالتوالد التلقائي أن يحدث في مكان ما أو وقت ما. هذا الإيمان سوف يعوقه عن برهنة الاستحالة سواء كانت علمية أم لم تكن.
دارون والجدل
لم يستمر الإيمان الماركسي في التكاثر التلقائي أكثر من قرن . لكن الإيمان الماركسي في إعلان داروين لنظرية التطور انتشر بصورة واسعة منذ اقتناع ماركس و انجليز.
كتب ماركس” كما ستري في خاتمة فصلي الثالث..أن النص الذي اكتشفه قانون هيجل التمسك به مفيد في التاريخ والعلم الطبيعي” 14 لكن إذا كانت الطبيعة جدلية وما يعلنه داروين عن الآلية المستخدمة من الطبيعة في خلق الأنواع صحيحا ، يجب أن تكون نظرية داروين جدلية. لكن هذا لا يبرهن الحالة.
ظهرت نظرية داروين للتطور جدلية لماركس لسبب واحد و هو أنها ترسم أن التقدم العلمي تتم كعملية . أمن انجليز أن نظرية داروين للطبيعة كانت كاملة في معالمها الرئيسية ، وكل سكوت تحرك و كل ما كان ينظر إليه بصفة خاصة علي أنه أبدي أصبح متغيرا و ظهرت الطبيعة بطاقتها كأنها تتحرك في جريان أبدي ودائري”هذا الجريان الأبدي هام في وجهة النظر الماركسية حيث يقول انجليز ” لا يمكن فهم العالم كمركب من أمور جاهزة لكنه كمركب من عمليات ”
هناك سبب أخر في نظرية داوين في الجدل: هل كان لتطور من البسيط إلي المعقد ؟ يقرر جدل ماركس ان العملية هي دائمة حلزونية – أن الغرض هو دائما رحلة أكثر تقدم عن الغرض الذي سبقه. من الواضح أن نظرية داروين في الانتخاب الطبيعي تنادي بنفس الشىء هو أن الأنواع الأكثر تقدم في وضع مناسب لتحيا في بيئتها ، طبيعتها و تجمع الأفضل وترفض الردىء.
في النظرة الأولي عندئذ تبدو نظرية داروين أنها تناسب أفكار ماركس بخصوص الجدل. لكن بالفحص الدقيق هي غير ذلك . يعلق لينين علي هذه المشكلة عندما يفصل نظرية داروين عن نظرية ماركس بقوله ” لاتزال الفكرة التي صاغها ماركس و انجليز علي أساس فلسفة هيجل ، أكثر وضوح و أخصب في المحتوي من نظرية داروين الجارية في التطور” يشعر لينين أنه يحاول أن يوجد الفرق بين تطور داروين وجدل ماركس الذي يطبق في الطبيعة.
التطور الطفروي
كان لينين علي صواب عندما فحص بدقة تطور داروين وعرف أنه يعمل علي نقيض الجدل. بحسب المادية الجدلية عندما تتصادم دعوي مع دعوي مضادة يخلق تركيبا ثالثا علي شكل قفزة وليس عملية تدريجية طويلة الأمد . هكذا بحسب هذه النظرة فإن التطور والثورة ضروريان في المجال الاجتماعي، وتحرك المجتمع من الرأسمالية إلي مجتمع لا طبقي، ولابد أن يحدث هذا التغير سريعا مثل ما حدث مع الحكومة الروسية عندما تصادمت البورجوازية مع العمالية فكان التركيب الثالث ضروريا في قفزة ناتجة عن الطبيعة وتدفق الجدل . تطور داروين الطبيعي التدريجي البطيء لا يناسب متطلبات الماركسية في التقدم الطبيعي أو الاجتماعي
أكدت نظرية داروين التقدم المتدرج وقاومت القفزة الفجائية في الوجود.
في بداية القرن العشرين، اعترفت الماركسية بالفرق وتخلت عن داروين لكنها لم تتخلى عن التطور وحاول بيليك كارتوف أن يزاوج الاتجاه الماركسي الجديد مع داروين بالقول ” يتبني كثير من الناس الجدل مع نظرية التطور. الجدل في الحقيقة نظرية تطور لكنه كثيرا عن نظرية تطور مؤسسة علي مبدأ في الطبيعة وليس في التاريخ. هل يحدث التغير فجائي أم تحدث التطورات تدريجيا”
يتوقع الماركسي أن يعمل التطور و فق الجدل عندما تتصادم الأنواع مع اتجاه البيئة وينتج نوع ثالث في قفزة سريعة . كان هناك في عام 1972 نظرية تطورية تناسب جيدا عملية الجدل. أطلق عليها “التطور الطفروي ” و تحتوي النظرية علي القفز و التغير السريع فهي تتحدث بلغة المادية الجدلية وتتكلم بلغة الثورة داخل التطور.
يري هذا النمودج” التطوركعملية مرحلية تبدأ بين مسافات طويلة من الثبات( أي نقص التغير) . ويقال أن الأنواع الجديدة نشأت بسرعة علي شغل سكان منعزلين نائيا” بدلا من نموذج داروين التدريجي للتطور الذي فيه حدثت أنواع جديدة بطيئة في أحقاب طويلة من الزمن.، ينادي التطور الطفروي بقفزات طويلة فيها تغير صغير ثم بفترات قصيرة معزولة للتغير السريع. يرتبط كثير من المفكرين الأمريكيين بهذه النظرية مثل ستيفن جاي ، جولد، ريتشارد ليفين ، نيل وليدبرج ، ستيفن ستانلي . يعترف كل من جولد و ليدبرج أن نظريتهم في التطور الطفروي تتوافق مع تفسير ماركس البيولوجي .
الأفكار البديلة التغيير لها مكانة عريقة في الفلسفة . صارت قوانين هيجل الجدلية المترجمة إلي مضمون مادي الأسلوب الرسمي في الفلسفة . في دول اشتراكية كثيرة . تتضمن قوانين التغير هذه قفوات تناسب نظرية التطور في تغير المجتمع البشري. في ضوء هذه الفلسفة الرسمية ، ليس من المدهش ، أن هذه النظرية التوازن تشبه التطور لكنها تتجنب الإشارة إلي نظرية التطور المتزامنة و النظام المتأصل الذي يفضله العديد من الروس في التوالد التلقائي. وليس من المناسب أن يتلائم هذا مع اختبارنا الشخصي وكل واحد منا معروف بماركسيته منذ نعومة أظافره.
يصر الماركسيون على التمسك بهذه النظرية وكيف أنها تؤكد وجهة نظرهم . يستخدم فولكشين مثلا سجل الحفريات كدليل علي صدق الأحياء الماركسية معلنا ” بينما كان المعتقد سابقا أن التطور يحدث ببطيء عن طريق تكاثر تدريجي من تغييرات بسيطة ، في الوقت الحاضر تضع الأحياء في حسبانها تكاثر الحقائق التي توضح التطور الضخم الحادث في قفزة . والذي لا ينخفض إلي تطور صغير. غياب الأشكال الانتقالية في سجلات نقطة التوالد التلقائي في عدد من الحالات . ليس ضعفا. بل غياب مثل هذه الأشكال دليل علي أن هناك تغييرات لم تتجمع علي الإطلاق ” بكلمات أخري حيث أن التطور في الأنواع غير ملحوظ في سجل الحفريات، و حيث أن نظرية التوالد لا يمكن أن تكون خطأ ، فإنه يجب مراجعة نظرية آلية التطور لتلائم الحقائق .
ويقتبس فولكسين دليلا أخرا علي التطور الطفروي مشيرا إلي أنه ” لا يمكن حدوث تحول تدريجي بين الريش والشعر … إلخ” 22 اقتبس الخلقيون هذه الحقائق لعدة سنوات في نقد نظرية التطور لكنهم اتخذوا أهمية جديدة للماركسية حيث يمكن استخدامها ” كدليل” لنظرية جديدة للتطور في تصميم أفضل ولتعطي جوابا عن نقص الدليل التطوري الحقيقي في سجل الحفريات.
ابتهج الماركسيون حين اعتبر أن التطور الطفروي تفسير علمي مرئي عن أصل الأنواع حيث أنها ترتبط بشدة مع الجدل الماركسي . علي أي حال ستعتنق الماركسية آيه فكرة عن التطور طالما أنها تتفق مع وجهة نظرها . ولا يسمح بوجود أي شئ فائق للطبيعة . يمكن توضيح ذلك بفحص الفترة التي أصيبت فيها الماركسية بخيبة أمل من تطور دارون التدريجي، قبل أن تصدر نظرية التطور الطفروي .
ليزنكو و مندل
خلال الحرب العالمية الثانية ، كانت أفكار دارون عن الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح غير شائعة بين الماركسيين . لذلك حاول الماركسيون أن يعدلوا نظرية التطور حتى تناسب الجدل جيدا. ترأس هذا الجهد ت. د. ليزنكو : القائد البيولوجي السوفيتي من 1930 – 1950 ، ورئيس أكاديمية العلوم في الفترة (1936-1945 ) أعلن أن اكتشافات جورج مندل عن الجينات كانت غير قاطعة ، ” أنه وقت لإلغاء مندل وتشعباته في جميع المناهج الدراسية الروسية” 23 نال التأييد الكامل من الحكومة الماركسية ( في الحقيقة فإن نظام علماء الأحياء الذين اختلفوا مع ليزنكو إما اعتذروا أو اعدموا) بدأ ليزنكو ينادي بيولوجية تنكر بشدة نظرية مندل للوراثة ” أي ممارسات –تحدث مجازيا- أي قطرة أو حبيبة في الجسم الحي ، فإذا صارت حية فهي بالضرورة تمتلك خاصية الوراثة”
و كان من الطبيعي أن أفكار ليزنكو عن الوراثة تقوده أن يعتنق اللاماركسية و هو مبدأ يقر بأن الخواص المكتسبة يمكن أن تمتد من جيل إلي أخر عن طريق الوراثة, ولكنه أم يعترف جهرا بهذا المبدأ حتي جاءت إلي النورأفكاز ستالين الذي كان مؤيدا لهذا المبدأ الحديث، و بعد أن صار كل من ستالين وليزنكو يؤيدا اللاماركسية ، لم يكن علم الأحياء الماركسي يعتنق هذا المبدأ الجديد حيث أنه يبدو أنه تبني وجهة نظر أكثر تقدم في التطور من نظرية داروين.
لسوء الحظ لم يستطع ليزنكو و لا الماركسيون أن يدفنوا رءوسهم في الرمال فترة طويلة قبل أن يواجهوا حقيقتين مسفكرة مندل عن الجينات كانت صحيحة وفكرة لا مارك عن الخواص المكتسبة كانت تنافي العقل.