التاريخ في الماركسية اللينينية

لسان المتعلمين

” مهما كان أسلوب الإنتاج في المجتمع ، يتم هذا في فحص المجتمع نفسه، أفكاره ونظرياته ، وجهات النظر السياسية والمؤسسات . أو لكي يكون الأمر أكثر بساطة – مها كان الإنسان في الحياة فهذا أسلوب تفكيره”   جوزيف ستالين

يؤمن الماركسيون أن نظرتهم التاريخية مؤسسة علي وجهة نظر علمية للعالم، وأن هذا الاتجاه يجعل من الممكن دراسة وجهة نظرهم جيدا أكثر من أي وجهة نظر أخرى لتفسير التاريخ. وهم من الطبيعي، يعظمون “علم” التطور في نظريتهم عن التاريخ.

 هذا المعتقد في التطور يشكل التاريخ بنفس الصورة التي شكل بها وجهة نظر الحركة الإنسانية العلمانية . يري الماركسي التطور يشجع باستمرار علي التقدم في أمور المعيشة ، لهذا فهو يفترض أن الإنسان يحسن نفسه باستمرار و سوف يستمر في التقدم إلي المستقبل

اتجاه الماركسية ” العلمى” نحو الأحياء لا يترك مكانا في النظر إلي الله ، وبصفة خاصة إلي الله الذي يؤثر في التاريخ . لهذا السبب يطلق الماركسي علي وجهة نظره التاريخية ” المادية التاريخية” ولكى يستمر الماركسيون في فلسفتهم يتعلقون بالافتراض العلمي أن المادة هي الشىء الوحيد الموجود و لذلك فإن التاريخ هو مجرد المادة المتحركة .

 الاقتراح حاسم في وجهة النظر الماركسية عن التاريخ وبالنسبة لوجهة النظر الماركسية عن العالم. لا يوجد الله، ولا الملائكة ، و لا نفوس بشرية تعمل كالأساس

الفعلي للتأثير في التاريخ. لكن المادة تتجاوب مع قوانين خاصة تقود العالم . ويأتي

السؤال عندئذ : أي أشكال مادية محددة تضع الأساس الذي بنيت عليه المجتمعات الإنسانية؟ و هل يستطيع الناس أن يقوموا بأي دور في رسم مجرى التاريخ؟

المادة كأساس التركيب الاشتراكي الفائق

 يقول كارل ماركس ” ليس الإدراك الإنساني هو أن يحصل الإنسان علي القوة الحقيقية الدافعة خلف التاريخ”. يجب أن ينظر إلي ما وراء أفكار الناس عن الحقيقة إلي حقيقة العالم المادي علي الأخص ، يجب أن يفحص المؤرخ وسائل البشر الإنتاجية والتبادل لكي يفهم أساس كل تقدم تاريخي . الاقتصاد هو القوة الدافعة في التاريخ وكما يقول ماركس ” بتغيير الأساس الاقتصادي يتغير كل التركيب الأعلى الكبير بسرعة “

 يؤمن الماركسي أن الاقتصاد يعمل كأساس البنيان الأعلى لكل المجتمع البشري بما في ذلك أفكار الإنسان. يعلن فريدريك انجليز أنه ” في كل فترة تاريخية ، الأسلوب السائد للإنتاج والتغيير الاقتصادي ، يشكل المنظمات الاجتماعية التابعة له ، الأساس الذي عليه تأسست والذي منه يمكن شرح التاريخ السياسي ، الثقافي ”

 بالنسبة للماركسي الحكومات، المحاكم ، الفلسفات و الأديان مبنية علي نظام اقتصاد المجتمع، ولهذا تؤثر في التاريخ بالحد الذي فيه يشكل الاقتصاد في قدرتها علي توجيه تقدم الإنسان.

 التصميم الاقتصادي

يؤمن ماركس أن الإنسان لا يزال يمتلك إرادة حرة داخل إطار عمله ، لكنه يميز بدقة بين كونه حرا بالكامل وكونه حرا بين الضوابط الموضوعة علي الإنسان من التأثيرات الخارجية . كتب انجليز يصنع البشر تاريخهم الخاص ، لكنهم لا يشكلونه بالطريقة المرغوبة ، لا يضعون التاريخ تحت ظروف ليختاروا بأنفسهم ، لكن تحت ظروف توجيه وتحول من الماضى المباشر”  يرغب ماركس أن يصنع كعكته

 و يأكلها أيضا وهو يسمى الاقتصاد بالقوة الدافعة للتاريخ، لكنه لا يزال يمنح الإنسان الحرية .

 تتعارض مثل هذه النظرة إلي التاريخ مع نفسها – يعترف ماركس بحرية الإنسان و يقول ” هل البشر أحرار في اختيار هذا و ذاك من أشكال المجتمع لأنفسهم ؟ لا .. لنفترض مراحل خاصة من تطور الإنتاج ، التجارة والاستهلاك ، عندئذ يكون لنا بناء اجتماعي متجاوب ، مؤسسة أسرية متجاوبة من النظام أو الطبقات . بالاختصار حضارة مدنية متجاوبة من غير الضروري أن نضيف أن البشر ليسوا أحرارا في اختيار قوة إنتاجهم – التي هي أساس التاريخ”  لكن إذا لم يختر الإنسان مجتمعه ، مؤسساته العليا ، أو طريقة إنتاجه و إذا كانت هذه الأشياء تشكل أسلوب تفكيره ، إذا ماذا يمكن أن يختار الإنسان؟. إنه لن يختر إلا أن يساير مجري التاريخ الذي يشكله البناء الاقتصادي . إذا أراد الاختيار ، سيطرحه التاريخ جانبا.

 نصل إلي نتيجة لا مفر منها في ضوء الاعتقاد الماركسى أن التاريخ تحكمه قوانين اكتشافات علمية معينة . يعتقد ف. ل. لينين أن ماركس قد وجه الأنظار إلي :

يبدو أن هذا الاعتقاد الفاشل في هذه القوانين ، عندما نتحقق أنه يسمح للماركسي أن يتخلي عن الأخلاق و المنطق ، يبرر كل الأفعال كأمر سبق تدبيره من .. ” قوانين خفية” تتحكم دائما في الأحداث التاريخية . يعكس جوزيف ستالين ” من ثم فإن النشاط العملي للحزب العمالي لا يجب أن يؤسس علي التمنيات الحسنة من جانب ” أفراد متميزين ” ليس علي إملاء منطق ” عقل عالمي ” أخلاق عالمية… إلخ لكن علي قوانين تطور المجتمع و علي دراسة هذه القوانين” الشيوعية مصير لا يمكن تجنبه

 سوف تقود هذه القوانين إلي سلسلة من الأنظمة الاقتصادية علي تتميم بناء المجتمع الكامل. هذا الأمر مضمون بصرف النظر عن ردود أفعال كسل الأفراد.

  يصف ماركس الفردوس الذي سيؤدي إليه التاريخ كله بأنه المجتمع الشيوعي الاشتراكي ، وهو موجود في بلوغ عملية التاريخ قمتها اليوطوبية العالمية الواحدة . ويعلن لينين ” يجب أن يدرك الشيوعيون أن المستقبل لهم … في كل الحالات وفي كل الدول – الشيوعية تزداد صلابة وتنتشر، جذورها العميقة جدا. لدرجة لا يمكن لأي اضطهاد أن يضعفها بل يزيدها قوة” 

 القوانين التي ستقود العالم إلي الشيوعية متشابكة ، و لا يمكن لأي إرادة بشرية أن توقف تدهور الرأسمالية، قيام الاشتراكية والتحول الثابت من الاشتراكية إلي الشيوعية . يعلن كمفورث ” من وجهة نظر الطبقة الرأسمالية ، النظرية الشيوعية بالتأكيد رائعة . تقول لا يمكنك أن تبتكر رأسمالية مدبرة ، ولا يمكنك أن تستغنى عن الصراع الطبقي. لا يمكنك أن تجعل النظام يسير بلا تحديد”  

يؤمن الماركسى أنه توجد قوانين معينة تقود التطور في النظام الاقتصادي إلي نهايته في الفردوس . تفهم الماركسية أن جهود البشر نحو أي غاية أخرى ، هي عديمة القيمة والمعني، معلنة أن البشر سوف يحققون اليوطوبيا ( المجتمع الشيوعي) رغم كل الجهود و الرغبات في عكس هذا. من المؤكد أن الدليل النهائي للتركيب الاقتصادي لا يترك مجالا لأفكار البشر أو المجتمعات كقوة تاريخية.

 تطبيق الجدل علي التاريخ

 تصير الإرادة الحرة بالنسبة للماركسي مختصرة جدا : الإنسان حر بمعني أنه يستطيع أن يؤثر في التاريخ بالجهاد في الوصول إلي الشيوعية. لكنه محدد بمعنى أنه لا يمكنه أن يؤثر في التاريخ بطريقة أخرى وهو متوجه إلي الشيوعية . سواء إن كان يحبها أم لا الشيوعية حتمية كما تمليها قوانين التاريخ ، هذه القوانين بدورها يحكمها الجدل.  

يؤمن الماركسيون أن الجدل _ كما هو واضح في فصل الفلسفة الماركسية قاد المجتمع في أحقاب معينة ( كلها مؤسسة علي البنيان الاقتصادي) في تحرك مستمر إلي أعلي . يؤمنون أن المجتمع البشرى بدأ بشيوعية بدائية ، لكن الأطروجات

 و مضاداتها تصادمت وولدت مجتمعا مؤسسا علي العبودية ، التي بدورها تطورت في الإقطاع . تطورت هذه الفترة إلي الرأسمالية التي تتحرك حتما نحو الاشتراكية. الصراع مستمر بين البورجوازية ( الأطروحة لحالية) مع البروليتاريا (الأطروحة المقابلة الحالية) سوف يقود المجتمع إلي درجة انتقالية – الاشتراكية – وعندما يحل الصدام بإلغاء الطبقات يصل المجتمع إلي الشيوعية . ويجب أن يطيع التاريخ القوانين الجدلية ، وهذه القوانين تعلن أن البناء الاقتصادي سوف يتطور نحو الشيوعية، التي عليها ينهض البنيان الاجتماعي الكامل.

الجزء الجدلي الذي يختار الماركسيون تأكيده عند مناقشة إرادة الإنسان الحرة ، هو الصدام . لأن الجدل يتطلب صداما ( ثورة حقيقية ) لكي يحقق التقدم ، يصير نشاط الطبقات مهما . لا يزال الفرد بلا معني في وجهة النظر الماركسية عن التاريخ، لكن الطبقات البشرية ( في الوقت الحاضر – البورجوازية البروليتاريا) يمكنهما لعب دور هام في تقدم البشرية . يقول كمنورث ” التطور التاريخي لا تقره قرارات شخصية من العامة ، بل التحرك الطبقي”

 وهكذا تبدو الجدلية أن تأمن ذرة من الإرادة الحرة البشرية. أعمال البشر مهمة ، لكن بالنسبة إلي تحركهم كطبقة وإذا كانوا يعملون في توافق مع قوانين التاريخ . بكلمات أخري ، في العصور الحديثة يمكن للعمالية فقط أن تعمل كقوة تطورية تحت إشراف الحزب الشيوعي ( لأن الحزب يفهم بصدق العملية التاريخية) قدرة الإنسان بحسب هذه النظرة هي علي الأقل ، محدودة لكن الماركسي يركز علي هذه القدرة بكل ما يستطيع.

 تطلب الماركسية في الحقيقة مشاركة الكتل البشرية بشدة ( من نقطة عملية ) لأنها غالبا تصف الدور الثوري كأعظم دور في التاريخ . ذهب لينين أبعد من ذلك بأن أعلن ” بحسب النظرية الاشتراكية ، الماركسية، القوة الدافعة الحقيقية في دفع التاريخ هي الصراع الطبقي الثوري” 

نظريا، لا يجب أن يشعر الماركسي بالحاجة الماسة للطبقات لكي تعمل بحسب التفسير الماركسي للتاريخ ، ويمكن للطبقة الثورية أن تسرع وحدها ( في الغالب) في التقدم التاريخي المحتوم – وفي الحقيقة ، تضمن القوانين التاريخية التحقيق النهائي للفردوس سواء إن كانت المرحلة العمالية ثورية اليوم أو بعد مائة عام من الآن. عندئذ تختار البروليتاريا مجري الأحداث. هذا الذي يعتبره الماركس أمرا محتما .

المستقبل بحسب الماركسية:

 حتى إذا افترضنا أن وجهة النظر في الطبقية والجدل تتناسب مع الحقيقة تنشأ مشكلتان. إذا كانت الطبقات تعمل كحافز للجدل ، إذا ماذا يبقي للجدل بعد أن تنتهي الطبقات؟ في الشيوعية يؤمن الماركسي أن جميع الفوارق الطبقية ستلغي . لكن بدون طبقات ماذا سيعمل كأطروحة وأطروحة مقابلة لكي يقود الجدل نحو الصدام ثم إلي أطروحة جديدة محتمة؟ ماذا يجعل عجلات التاريخ تدور ؟

  أكثر من ذلك يحسن الأسلوب الجدلي (نظريا) بناء الاقتصاد البشري (نتيجة لذلك) مجتمعات الإنسان وأفكاره ، عبر التاريخ – لكن بمجرد أن يقود الجدل كل العالم إلي الشيوعية ، يتحقق كل أسلوب الإنتاج المتبادل و تمحى الحاجة إلي الجدل. كيف يمكن للجدل أن يقود الإنسان فيما بعد الشيوعية؟ لن يوجد بناء اقتصادي أفضل، ( وأيضا لا يوجد أساس أفضل للمجتمع وأفكار البشر) ماذا يكون أفضل من المجتمع الكامل؟

 تنظر كل من الحركة الإنسانية والماركسية إلي التاريخ كوجهة نظر تطورية، ولهذا تؤمن كل منهما أن تاريخ البشرية في تطور مستمر ، كما أن تقدم الحياة يتطور دائما. نتيجة لهذا ، تتمسك كل نظرية أن العملية التاريخية تضمن فداء الإنسان عن طريق تأسيس نوع من السماء علي الأرض في المستقبل.

 تختلف الماركسية عن الإنسانية العلمانية في أن الماركسية تضع أساسا أقوي كثيرا لمعتقداتها في العملية التاريخية. يؤمن الماركسي أن التاريخ يعمل بمقتضى قوانين محددة يمكن اكتشافها في الجدل، تغير الاقتصاد البشري في بنيانه ثم تصنع الثورة في أفكار الإنسان و المجتمعات البثورية .

 تحاول الماركسية أن تضع الإنسان كالقوة الدافعة للتاريخ بإعلانها ثورة الطبقات المظلومة لتكون حافزا لعملية الجدل . بحسب هذه الوجهة فإن البشر الذين يعملون في تطابق مع القوانين التاريخية ومنهج التقدم هم وحدهم المؤثرون . هكذا لا يزيد الفرد في وجهة النظر الماركسية عن التاريخ عن مروحة ثابتة في صندوق خاص ، لا يهم كم من الوقت تعمل هذه المروحة أو كم يبلغ ارتفاع صوت الدوران . لا يهم كم يقاسي الإنسان وهو يصرع قدميه ، لأن الشخص الملاكم ” في بدء جولته يخسر ، لكن علي الشخص أن يضع في تصميمه النصر مسبقا، عن طريق تشجيعه علي النصر المؤكد.

 إذ نضع هذا المعني الذي تنادي به الماركسية ، سواء إن أخذ الإنسان طريقا مباشرا أو ملتويا فإن المحصلة النهائية للنتيجة التاريخية هي واحدة. يؤمن الماركسي أن وجهة نظره وحدها تعطي الولاء الكامل للمفهوم العلمي عن التاريخ وأن القوانين الطبيعية تضمن هذا التقدم المحتوم. تقدم الماركسية كل القوي لعملية الجدل التاريخي وتطالب الفرد بأن عليه أن يعمل في خضوع لهذه القوي المقتدرة. ويقول ماركس ” التاريخ هو القاضى – المنفذ والعامل”

 

Comments are closed.