“وَسَيُصبِحُ السَّرابُ بِركَةَ ماءٍ، وَالأرْضُ العَطشَى سَتُصبِحُ يَنابِيعَ ماءٍ، وَفِي مَسكَنِ الكِلابِ البَرِّيَّةِ وَمَكانِ راحَتِها،سَيَنبِتُ القَصَبُ وَالنَّباتاتُ الطَّوِيلَةُ ( البردي)”
السراب هو نوع من الخداع البصري إذ تبدو الأشياء البعيدة أقرب مما هي في الحقيقة. السبب في حدوث السراب هو انكسار الضوء وهو يمر خلال الهواء الذي تتفاوت درجة حرارة طبقاته،. يعني الانكسار في المسار .
يري المسافرون في الصحراء أحياناً بركة ماء بعيدة تبدو وكأنها واحة، ولكن حين يصلون إلى الموقع لا يجدون سوى الرمال الجافة. ويحدث السراب احيانا حين تحجز طبقة من الهواء الساخن أشعة الضوء القادمة من الأجسام البعيدة، فتبدو بعض الأشياء (كالصخور) كأنها أبراج عالية. نشاهدها من مسافة بعيدة وعند الاقتراب منها تختفي
انواع السراب
1. السراب البصري. وهو ظاهرة خداع بصري تصوًر للرائي اشياء غير موجودة كأنها موجودة ومنه:
سراب الطريق السريع ، السراب الأدنى، السراب الأعلى، السراب الفائق، سراب الغروب وسراب الاجرام الفلكية
2. السراب الفكري. وهو ظاهرة يحدثها الشيطان فيزين للإنسان اشياء واشياء ويجري خلفها دون فائدة
3. السراب العاطفي…وهو ضرب من العواطف المتأججة في عقل شخص واهم بعيد عن ارض الواقع
4. السراب الحربي…وتطلق كلمة Mirage علي الطائرات ،الدبابات، المدافع والصواريخ
5. السراب المجازي. نوع من السيارات وبعض دور علاج الادمان ، دور المشورة الفنادق وبعض لعب الاطفال
6. السراب الروحي…ويشمل التعاليم المضللة في العقيدة الروحية
السراب الروحي
من السهل أن ينقاد الانسان إلي الضلال. إذ تبدو الأشياء أمامه مؤكدة لكن الحقيقة هي غير ذلك. يحدث السراب طول الوقت وتكون الحقيقة مضادة. يظن الناس أنهم يرون الامور سليمة، بينما هي خداع ووهم.
تنبأ إرمياء لسنوات عديدة طالبا من مملكة يهوذا أن يتوبوا ويصلحوا طرقهم وإلا سيرسل الله جيش غريب ليحتل البلاد ويدمر الديار، لكنهم لم يتوبوا ، فجاء سبي بابل وفيه قتل الكثيرون و أسر العدد الكبير وترك السبي الطبقة الفقيرة في يهوذا لتفلح الارض . رغبت هذه البقية الهروب إلي مصر، لكن الله حذرهم بعدم النزول إلي مصر.
“فالآن لذلك اسمعوا كلمة الرب يا بقية يهوذا. هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل. ان كنتم تجعلون وجوهكم للدخول الى مصر وتذهبون لتتغربوا هناك يحدث ان السيف الذي انتم خائفون منه يدرككم هناك في ارض مصر والجوع الذي انتم خائفون منه يلحقكم هناك في مصر فتموتون هناك” (ار 42: 15-17)
ولم يصدق الشعب ارميا واتهموه بالكذب وهربوا إلي مصر واخذوا ارميا معهم وعبدوا الاوثان و ردوا بالقول: “اننا لا نسمع لك الكلمة التي كلمتنا بها باسم الرب بل سنعمل كل امر خرج من فمنا فنبخر لملكة السموات ونسكب لها سكائب كما فعلنا نحن وآباؤنا وملوكنا ورؤساؤنا في ارض يهوذا وفي شوارع اورشليم فشبعنا خبزا وكنا بخير ولم نر شرا. ولكن من حين كففنا عن التبخير لملكة السموات وسكب سكائب لها فنينا بالسيف والجوع (ار 44: 16-18)
هذا نموذج للسراب الروحي، الضلال، عدم الفهم، خداع النفس والكذب. يوجد في قلب الانسان ميل إلي الاعتقاد بانه طالما هو نشيط وناجح في هذا العالم، فأنه يعتقد أن الله مسرور منه ويباركه بسبب نشاطه و إخلاصه. لكن علي الإنسان أن يفهم أننا ننال بعض البركات ليس بسبب استحقاق أو أعمال . كان الفريسيون يتمتعون ببركات دنيوية لم يكونوا مختبرين الحياة الروحية الحقيقية، كانوا يعيشون السراب. انطبقت عليهم فكرة “السبب والنتيجة“. كانوا يعتقدون أنه طالما يتمتعون ببركات وفرة الطعام والمال. فأنهم يعبدون الله بالطريقة الحقيقية وعاشوا في سراب.
يهب الله خيرات للأشرار والابرار ويشرق شمسه علي الصالحين والطالحين، التائبين والضالين،
لقد نسي الشعب في زمن ارميا كما نسي الفريسيون أن الله طويل الروح وكثير الرأفة
“وهولا يشاء أن يهلك أناس بل يقبل الجميع إلي التوبة (2 بط 3: 9)
” أم تستهين بغنى لطفه وامهاله وطول اناته غير عالم ان لطف الله انما يقتادك الى التوبة. 5ولكنك من اجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة” ( رو 2 : 4 )
يقول البعض نحن لا نعبد الاصنام ، ولسنا مثل يهود ارميا، كل شيء علي ما يرام و نحن لسنا في حاجة إلي توبة ، فإن الله يباركنا بسبب حياتنا الصالحة . يقنع الكثيرون انفسهم بان هذه النصوص الكتابية لا تنطبق عليهم
قال الرب لملاك كنيسة لاودكية ” لأنك تقول اني انا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي الى شيء ولست تعلم انك انت الشقي والبئس وفقير واعمى وعريان. اشير عليك ان تشتري مني ذهبا مصفى بالنار لكي تستغني. وثيابا بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك. وكحّل عينيك بكحل كي تبصر ” (رؤ 3: 17- 18) وأوصاه الرب “كن غيورا وتب “،
رأي الشعب انهم ليسوا في حاجة إلي التوبة لآن أمورهم علي مايرام ظاهريا. كانوا قانعين وراضين والرب يوصيهم بأن يحصلوا علي الكحل لكي تكتحل به عيونهم وهكذا يضل الشعب في موقفهم من الله و عدم تطبيق أقواله المقدسة. ينظر الانسان إلي البركات الارضية متوهما أن الله راضي عنه طالما يمنحه هذه البركات.
ومن جهة أخري ليست الام المؤمن دليلا علي ان الله غاضب منه ويؤدبه بسبب شر. ليس بسبب خطية قاسي بولس الالام التي انتهت بإعدامه “ثلاث مرات ضربت بالعصي. مرة رجمت. ثلاث مرات انكسرت بي السفينة. ليلا ونهارا قضيت في العمق. 26باسفار مرارا كثيرة. بأخطار سيول. بأخطار لصوص. بأخطار من جنسي. بأخطار من الامم. بأخطار في المدينة. بأخطار في البرية. بأخطار في البحر. بأخطار من اخوة كذبة. في تعب وكد. في اسهار مرارا كثيرة. في جوع وعطش. في اصوام مرارا كثيرة. في برد وعري.” 2 كو 11: 24-27 .
ليس بالضرورة أن تكون بركات الله لنا دليل علي رضاه علينا
كان الرب يسوع وهو علي الارض لا يملك شيئا ، وليس له أين يسند رأسه (مت 8: 20) هناك جماعات لهم صورة التقوي ، لكنهم منكرون قوتها ، لا ينبغي أن ننخدع بالمظاهر ، توجد طريق تبدو للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت. ليس النجاح المادي دليلا علي رضا الله.
بينما ينبغي أن نشكر الله من أجل حساناته ولا ينبغي أن نقفز إلي نتائج إن هذه البركات نتيجة استحقاق ، كم من اثرياء ينحدرون إلي الجحيم وكم من فقراء ينعمون بالسماء (لو 21) قدمت المرأة الأرملة فلسين فقط وامتدحها الرب أو لعازر الذي كانت الكلاب تلحس قروحه وانطلق إلي حضن إبراهيم (لو 16).
كانت ديانة اليهود في عصر ارميا مؤسسة علي العاطفة وليس علي الحق الالهي.
عاقب الله اليهود لأنهم لم يتوبوا عن طرقهم ونحن سننال جزاء ما نفعل ما لم تكن طرقنا مؤسسة علي كلمة الله.
“انظروا ان لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب اركان العالم وليس حسب المسيح” كو 2 : 8
الوعد الإلهي
وَسَيُصبِحُ السَّرابُ بِركَةَ ماءٍ، وَالأرْضُ العَطشَى سَتُصبِحُ يَنابِيعَ ماءٍ، وَفِي مَسكَنِ الكِلابِ البَرِّيَّةِ وَمَكانِ راحَتِها، سَيَنبِتُ القَصَبُ وَالنَّباتاتُ الطَّوِيلَةُ( البردي) اش 35 : 7
السراب هو خداع، منظر لماء غير موجود، هو كناية عن خيرات غاشة يطلبها الناس ولا يحصلون عليها، أما الأجمة فهي أماكن يوجد فيها ماء، وهى كناية عن خيرات حقيقية يعطيها الله لشعبه. فعوض الجفاف يصير فيض ماء هو فيض الروح القدس (يو 7 : 37، 38) فيتحول المرار في نفس الإنسان إلي تعزيات. والأماكن التي كانت بلا ماء ويسكنها الذئاب (الوحوش) تصير مملوءة ماء حتى تصبح دارا للقصب والبردي. هكذا نفوسنا بعد أن كانت مسكناً للشر أصبحت هيكلا للروح القدس الذي يسكن فيها.