الإصلاح الكاثوليكي: الإصلاح المضاد Counter Reformation

مع المصلحين

الإحياء الكاثوليكي

حركة دينية استهدفت إصلاح الكنيسة الكاثوليكية وفي نفس الوقت مناهضة الإصلاح البروتستانتي، وقد بدأت مع مجلس ترنت (1545م- 1636م) وانتهت بنهاية حرب الثلاثين عاما عام 1648 م. ويحتوي الإصلاح المضاد على أربعة عناصر رئيسية:

  • إعادة تشكيل الهيكل الكنسي
  • النظم الدينية
  • الحركات الروحية
  • الأبعاد السياسية

وقد تضمنت هذه الإصلاحات تأسيس معاهد دينية لتوفير التدريب المناسب للكهنة سواء في الممارسات الدينية أوالتقاليد اللاهوتية للكنيسة، وإصلاح الحياة الدينية من خلال إعادة النظم الدينية إلى أصولها الروحية، وقد ركزت الحركات الروحية الجديدة على الحياة التعبدية والعلاقة الخاصة مع المسيح، بما في ذلك الصوفيون الأسبان والمدرسة الفرنسية الروحانية. كما شملت أيضاً محاكم التفتيش الرومانية.

مجلس ترنت

كان أهم أحداث القرن السادس عشر الميلادي الإصلاح اللوثري ومجلس ترنت Council of Trent لإصلاح الكنيسة الكاثوليكية، وقد بدأ هذا الإصلاح المضاد بطلب البابا بول الثالث لانعقاد مجلس ترنت من (1545م: 1636 م). وقد تكون هذا المجلس من لجنة من الكرادلة كلفت بالإصلاح المؤسسي، ومعالجة القضايا الخلافية مثل فساد بعض الأساقفة والكهنة، وصكوك الغفران، والتجاوزات المالية الأخرى. وبدأ المجلس إصلاحاته برفض بعض الوظائف الكنسية ونادي بعودة الكنيسة إلى الهيكل الكنسي للعصور الوسطى بتعاليمها الدينية. فقد أعاد صياغة المبادئ الأساسية للعقيدة الكاثوليكية الرومانية التي تختلف مع البروتستانتية في مبدأ التبرير بالإيمان، فالخلاص يأتي من خلال الإيمان ولكن لابد أن تصاحبه أعمال، وأعاد التأكيد على أنه في عملية الاستحالة في التناول يتحول الخبز والخمر المكرسين كلياً وجزئياً إلى دم وجسد المسيح، مع التأكيد أيضاً على الأسرار الكنسية السبعة للكنيسة الكاثوليكية، كما أعاد المجلس التأكيد على ممارسات الحج وتبجيل القديسين ومخلفاتهم، وتبجيل السيدة مريم العذراء. ولقد قبل المجلس رسمياً قائمة فولجانا للعهد القديم والتي تضمنت الأسفار القانونية الثانية وتسمى أيضاً أبوكريفا Apocrypha، من جانب البروتستانت على قدم المساواة مع الكتب التسع والثلاثون التي وجدت في المخطوطات الماسورتية والمخطوطات البروتستانتية للعهد القديم. وجاء هذا تأكيداً لقرارات مجلس روما السابق ومجمع قرطاج الكنسي وكلاهما أقيم في القرن 4 م واللذان أكدأعلى الأسفار القانونية على أنها نصوص مقدسة، كما فرض المجلس أيضاً التعليم الروماني كتعليم كنسي موثوق به (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية). وبينما تم التأكيد على البنية الأساسية للكنيسة، إلا أنه كان هناك تغييرات. ومن بين الأوضاع التي كان على المصلحين الكاثوليك أن يصححوها هو اتساع الفجوة بين رجال الدين ومرتادوا الكنيسة، فعدد كبير من رجال الدين في الدوائر الريفية لم يتلقوا تعليماً قوياً. وفي كثير من الأحيان لم تعرف هذه المناطق الريفية اللغة اللاتينية وتفتقر إلى التدريب الديني المناسب

وكان على كهنة الأبرشيات أن يكونوا أفضل تعليماً في مسائل اللاهوت وعلوم الدفاع عن المسيحية، في حين سعت السلطات البابوية لتثقيف المؤمنين حول طبيعة ومعنى وقيمة الفن والقداس، ولا سيما في الكنائس الرهبانية التابعة لعصر النهضة العلمانية، وزاد ذلك المطلب تحت قيادة البابا ليو العاشر (1513م- 1522م)، والذي كانت حملته لجمع الأموال في الولايات الألمانية من أجل إعادة بناء كاتدرائية القديس بطرس وذلك عن طريق بيع صكوك الغفران الدافع الرئيسي لبنود مارتن لوثر ال95 لكن الكنيسة الكاثوليكية استجابت لهذه المطالب (1414م-1417م، وقد شدد مجلس كونستانس الإجراءات على تنظيم المؤسسات الدينية وفرض الانضباط، ولم يعد مقبولاً تعيين الأساقفة لأسباب سياسية. ففي الماضي كان بعض الأساقفة مديرين لعقارات وشن المجلس الهجوم على ظاهرة “الغياب” التي تفشت بين الأساقفة الذين كانوا يعيشون في روما أو في أملاكهم بدلاً من أن يتواجدوا في الأبرشيات.

النظم الدينية

كانت النظم الدينية الجديدة جزءاً من الإصلاح المضاد

  1. فقد عزز نظام الإخوان الرهبان الكابتشيون الصغار Friars Minor Capuchin، الأورسوليون الثيتاينس، الأبرشية الكرملية Carmelites، البارناباتس وخاصةً نظام اليسوعيين Jesuits الأبرشيات الريفية وزادت من مرتاديها، وساعدت على كبح الفساد، وتكون نظام الثيتاينس من مجموعة من الكهنة المخلصين الذين حملوا على عاتقهم مقاومة انتشار البدع وساهموا في إعادة مفهوم رجل الدين. كان الكابوتشيون، فرعا من نظام الفرنسيسكان الذين تميزوا في مجال الوعظ ورعاية الفقراء والمرضى، وقد اهتم الكابوتشيون الأوائل بالفقراء، وعاشوا حياة متقشفة وكان الكابوتشيون يرسلون بعثات إلى المناطق الريفية التي تفتقر إلى الخدمات.
  2. أما الأورسوليون فقد ركزوا على تعليم الفتيات، وأعمال الرحمة وأن الخلاص يأتي عن طريق الإيمان والأعمال، وتنكروا بحزم لمبدأ “بالكتاب وحده Sola scriptura الذي كان يؤمن به اللوثريون والطوائف البروتستانتية.
  3. وأما نظام اليسوعيين الذي أسسه النبيل الأسباني والجندي السابق إيجناتيوس لويولا (1491م – 1556م) فكان أكثر فعالية بين النظم الكاثوليكية الجديدة. وقد تأسس نظامه المعروف باسم مجتمع يسوع عام 1534م، وقد نظم اليسوعيون أنفسهم وفقا للخطوط العسكرية، واشتهروا بالتدريب الصارم، والانضباط الشديد، وأكدوا على أن الدنيوية والعلمانية لم يعد لها دور في النظام الجديد. واليسوعيون هم ورثة الإصلاح الفرانسيسكاني، فقد قطعوا على أنفسهم عهوداً من الرهبانية والعفة والطاعة، والفقر، وضربوا مثلاً ساهم في تحسين فعالية الكنيسة. وساهمت السيرة الذاتية لليولا في التأكيد على التقوى التي كانت تراجعت في عهد الباباوات ذوي الميول السياسية من أمثال البابا ألكسندر السادس وليو العاشر، فبعد أن تعافى ليولا من جرح أصابه في معركة حربية نذر أن يخدم الله وحده والبابا الروماني “خليفة الله علي الأرض” في معتقده ومرة أخرى كان التركيز على البابا هو التأكيد الأساسي على كنيسة العصور الوسطى، فقد كبح مجلس ترينت بحزم كل محاولات مذهب المجلسية الذي ينادي بأن المجامع المسكونية متجمعة تمثل الله على الأرض وليس البابا. وقد كان إضفاء الشرعية على دور للبابا كحاكم مطلق سمة قوية لعصر الحكم المطلق بدأت بشائره بحلول القرن السادس عشر الميلادي، وقد ساهم اليسوعيون بقوة في إعادة تنشيط الإصلاح المضاد بالتنسيق مع الفاتيكان.
  4. أسس أغناطيوس دي لويولا الرهبنة اليسوعية التي أضافت إلى النذور الرهبانية الثلاثة-الفقر، العفة طاعة الله- نذرا رابعاً هو طاعة البابا، والتعليم بتأسيس المدارس، في حقل الإرشاد الروحي، في حقل الإرساليات إلى البلاد النائية وكان له رأى مشهور (أبرع المخططات، وأكمل القرارات، وأشد التحريمات تبقى حبراً على ورق. إنْ لم يهتدي المسيحيون، وعلى رأسهم البابا والأساقفة والكهنة، لا إصلاح للكنيسة، إن لم يسعى كل عضو بنعمة الله، لإصلاح نفسه.

 

Comments are closed.