عقيدة الإنسانية العلمانية

دليل المسافرين

بعد التفكير في العقيدة والأمور الفائقة للطبيعة لمدة ثلاث سنين، تخلي برتراند راسل عن فكرته عن الله. ثم أعترف بعد ذلك ” كنت أؤمن بالله حتى وصات الثامنة عشر”     تمسك راسل الذي يعتبر أحد الأصوات العالمية في الحركة الإنسانية العلمانية بأن الفكرة الكاملة عن الله جاءت من الحكم المطلق الاستبدادي في الشرق القديم. ثم قال ” أنا لست مسيحيا —- و لا أؤمن بالله أو الخلود —–  و لا أعتقد أن المسيح كان أفضل وأحكم البشر مع أنني أعطيه منزلة عالية جدا من الصلاح الأخلاقي”

بينما تعتبر الثامنة عشر من العمر هي السن الملائم لتقرير إذا ما كان هناك إله أم لا، فإن ماري ألن دي فورد الإنسانية الأمريكية وهي في الثالثة عشر سبق أن استخلصت أنه يوجد دليل كاف لإنكار وجود كل الآلهة. كانت مقتنعة أن الإنسان ليس له نفس وأن الخلود (الحياة بعد الموت) هو خدعة. وقالت دي فورد ” إننى أضع الأمر بدون أي لياقة- يجب أن تكون الحركة الإنسانية من وجهة نظري ملحدة وإلا فلن تكون حركة إنسانية بحسب مفهومي.” 

يعتبر مفهوم دي فورد عن النزعة الإنسانية وصفا حقيقيا لمعتقدات الغالبية في الحركة … وفي هذا دليل قاطع على أن الإلحاد هو الأساس الديني في الحركة الإنسانية العلمانية حتى أن غير الملحدين من الحركة ينظر إليهم كأنهم خارجين عن القياس وفي تعارض نفسي.

ويصر كورليس لا مونت مؤلف ” فلسفة الحركة الإنسانية” أن النزعة ” ترفض أمورما فوق الطبيعة- وتبحث في أن يقوم الإنسان بالعمل الآبن هنا في هذا العالم فقط” وهذا الاتجاه له تقليد قديم مع الإلحاد مبتدئا من ديموقريتس في اليونان القديمة، لوكيريتوس في روما القديمة، ويستمر عبر التاريخ إلي جون ديوي وبرتراند راسل في القرن العشرين.

المعتقدات الدينية عند القادة الإنسانيين:

عقيدة الإنسانيين متماسكة بدرجة كبيرة في كل ما تؤمن به، لا وجود لأمور فوق الطبيعة، بما فيها الله، الشيطان، الملائكة، الأرواح الشريرة، النفس، الضمير. تظهر هذه المعتقدات كل تأكيد بواسطة قادة إنسانيين عديدين.

يعتقد لامونت أن المبدأ الأساسي في الحركة الإنسانية، والمبدأ الذي يميزها عن باقي وجهات النظر الأخرى هو أن ” الحركة الإنسانية تعتقد أن كل أشكال ما فوق الطبيعة خرافة.”5 وأن ما فوق الطبيعة – أي شيء خارج الطبيعة “غير موجود ويقول لا مونت ” تستخدم الحركة الإنسانية- بالمعني الفلسفي الدقيق، وجهة نظر تتضمن أن الطبيعية هي كل شيء وتتضمن أنه لا يوجد شيء فوق الطبيعة” 

ويؤكد لا مونت أنه” من الوجهة العقلية، لن تكسب شيئا بل نخسر الكثير فلسفيا بالاعتقاد بوجود الخالق أو العلة الأولي خلف العالم المادي العظيم  لا يوجد مكانة في وجهة النظر الإنسانية لوجود آلهة خالقة للكون- ” الكون موجود بالشكل الفردي والشكل البشري. وهم يطلقون خيالهم أن الكون هو الذي خلق الآلهة”

وقبل أن ينشر لامونت الكتاب الأول ” فلسفة الحركة الإنسانية (1949) نشر كثيرون من أتباع هذه الحركة مثل جون ديوي، روي سيلارز، جون ه رايدال (الابن) إي ا بيرث وإدروين ه ويلسون البيان الرسمي 1933 وفيه وصف للكون على أنه ” قائم بذاته غير مخلوق” وأعلن البيان ما هو أبعد من ذلك ” لقد مضي عهد الآلهة.”

وبعد الإعلان الأول 1933 بأربعين عام نشر الإنسانيون البيان الرسمي الثاني وقرروا

” لا نجد الدليل الكافي في وجود ما هو فوق الطبيعة: هذا لا معني له ولا يتطابق مع وجود حياة الجنس البشري. كملحدين نعتقد في البشر وليس الله، الطبيعة وليس اللاهوت ” ومرة أخري يمكننا أن نكتشف أنه لا يوجد غرض إلهي أو عناية إلهية للجنس البشري”.

وحيث أنه يوجد الكثير الذي لا ندركه فإن البشر مسئولون عما نكون أو ما سنصير عليه. لا يوجد إله يخلصنا يجب أن نخلص أنفسنا” 11و لقد وقع علي هذا الإعلان الإلحادي مئات من الإنسانيين.

شغل ” ايزاك اسيموف” وظيفة مديرا لمنظمة الأمريكية للعلوم الإنسانية من عام 1989 إلي عام 1992 وفي كتابه “بحث حر” لا يترك أدني شك فيما يتعلق بعقيدته الشخصية. ” أنا ملحد مائة في المائة وقد استغرقني هذا الوقت الطويل لأنطق به. كنت ملحدا سنوات طوال علي أنني شعر بصورة ما أن أعترف كشخص محترم بأننى ملحد لأنني كنت أفترض معرفة لم تكن عندي. ربما كان من الأفضل أن أقر بأنني تابع للحركة الإنسانية أو متشككا. لكن أخيرا قررت أنني مخلوق عاطفي كما أنني عقلاني. عاطفيا أنا ملحد وليس عندي الدليل لكي أبرهن علي وجود الله. أنا متشكك بشدة في وجود الله لدرجة أنه ليس لدي الرغبة في ضياع الوقت “ 

ويعلن بول كيرتز عن رأي كل تابع للعلوم الإنسانية الإلحادية بجرأة قائلا ” لا يمكن للحركة الإنسانية أن تعني بكلمة ملحد أنها تنطبق علي شخص يؤمن بالله مصدر الكون وخالقه. يمكن أن تكون هناك حركة إنسانية مسيحية عند الذين يرغبون بالاعتراف انهم إنسا نيون ملحدون لكن من المؤكد أن هذا لا ينطبق على المؤمنين الذين يحبون الله”

بالنسبة لكيرتز ” الله نفسه هو إنسان تأله”   وهذه العقيدة –بالطبع – هي متقاربة تماما مع وجهة النظر الماركسية. ويشير كيرتز إلي ماركس “كواحد من أعظم المفكرين الإنسانيين” و يقول أن ماركس تابع للنزعة الإنسانية ” حيث أنها ترفض عقيدة التوحيد وتدافع عن الإلحاد” 

   قال جوليان هكسلي” أنا لا أؤمن في إله شخصي بما تعنيه العبارة” ويذهب إلى القول” من جانبي الخاص فإننى أحس بالراحة الروحية النابعة من رفض وجود الله كمن هو فوق الطبيعة إحساسا ضخما ”

ويعترف نورمان مكير ” أنني أفترض نفسي ضمن قائمة الإنسانيين الملحدين”                      ويقول هارولج تيطس أن ” النزعة الإنسانية هي دين بدون الله” يضيف ” يلاحظ الإنسانيون الطبيعيون الكون كوجود ذاتي وليس مخلوقا، ويتخلون عن كل أفكار ما وراء الطبيعة وكل أشكال الاعتماد على الكون”

جون ديوي: المعلم الرائد للمدارس العامة

هو أحد رواد ورموز النزعة الملحدين – الذي له التأثير الكبير علي الحضارة الأمريكية لدرجة أنها في حاجة إلي حماية شديدة من نفوذه. شغل جون ديوي منزلة المعلم الذي له النفوذ الكبير علي نظام التعليم في المدارس العامة الأمريكية،

وفي كتابه ” الإيمان العام” يضع التمييز بين كلمة دين ومتدين. حسب مفهوم ديوي كلمة دين تعني ما هو وراء الطبيعة بينما كلمة متدين تختص بالعالم الطبيعي (بالأخص عندما تشمل العلاقات البشرية، الرفاهية والتقدم) يرفض ديوي كل ما هو فوق الطبيعة وبالتالي يرفض الإله الذي هو فوق الطبيعة. يقبل فقط الطبيعة المتطورة بكل تشعباتها

” الدينية” ويقول ديوي” لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هناك حقيقة للمثل الأخلاقية- كقيمة حيوية في الشئون البشرية بدون الخضوع للمفهوم المسيحي الرئيسي للأمور الخارقة. بالنسبة لديوي لا يمكن أن تستوعب الديموقراطية المصطلحات المسيحية مثل (مخلص – ضال – الخراف والجداء ….) ويعترف أن مثل هذه المصطلحات هي “أرستقراطية روحية” التي تتعارض مع المثل الديموقراطية. فيجب أن تتضمن الكنيسة مؤمنين وغير مؤمنين.

نظرة مختصرة علي جون ديوي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1884- بدأ حياته كأستاذ جامعي بجامعة ميتشجان

1904-ارتقي إلي منصب رئيس كرسي التربية في جامعة كولومبيا

1915- انتخب كأول رئيس الأساتذة الجامعيين في المنظمة الأمريكية.

1920- شارك في تأسيس اتحاد الحريات المدنية الأمريكية.

1921- التحق بالرابطة الجديدة للديموقراطية الصناعية

1930- اعتزل العمل في جامعة كولومبيا

1933- وقع علي بيان النزعة الإنسانية الرسمي.

يوضح ديوي أن العلم يرفض تصديق المسيحية الكتابية إلي حد كبير و يقول أن

” الاكتشاف الجيولوجي ينكر خرافة الخلق التي كان لها حجم كبير في الماضي.”

ويقول ديوي ” علم الأحياء أجري ثورات فكرية في النفس و العقل اللذين كانت تسيطر عليهما الأفكار الدينية “22 و يضيف أيضا أن “الأحياء تركت أثارا راسخة علي أفكار “الخطية”- ” الفداء” – و ” الفساد الأخلاقي” و قد وضعت العلوم :في دراستها للإنسان، التاريخ و النقد الأدبي نسخة ” مختلفة جوهريا ” للأحداث التاريخية التي تأسست عليها الديانة المسيحية ” و يأتي علم النفس الذي سبق أن قدم تفسيرات طبيعية ” للظواهر الغير طبيعية و أين يكمن أصلها الغير طبيعي بالتفسير الطبيعي ” ويري ديوي أن العلم و الأسلوب العلمي قد أقصيا الله وما فوق الطبيعة إلي قمامة التاريخ

الأدب الديني للنزعة الإنسانية

تعتبر دار نشر ” بروميثوس” هي الذراع الأساسي في مطبوعات النزعة الإنسانية العلمانية. والتي تقع في مدينة بافلو بنيويورك. ومن بين العديد من الكتب التي تنشرها الدار نجد كتبا إلحادية للأطفال مثل ” ماذا عن الله؟” بقلم كيس بروكمان. وقد صمم هذا الكتاب على تلقين الأطفال مشاعر الإلحاد، فعلي سبيل المثال ” يقول كثير من الناس أنهم يؤمنون بوجود إلله. هل تعرف من هو هذا الإله؟ وهل تدرك معني أن يؤمن شخص بوجود إلله؟ هذا الإله الذي يؤمنون به هو شخصية خرافية. والشخصيات الخرافية هي من نبع الخيال وليس لها جذور في الحقيقية، فمثلا صنع الناس الوحش والجنية وهما شخصيتان وهميتان وكثيرا ما صنع الناس شخصيات وهمية ليس لها أساس في الواقع”

وتنشر أيضا الدار مطبوعات للشباب والكبار منها كتاب بول بلانشارد ” الفكر الحر” الذي يهدف إلي عرض الأفكار الإلحادية للعامة. وكتاب بيتر انجيليز ” نقد الله” الذي يحتوي على 371 صفحة تدعم عقيدة النزعة الإنسانية في إنكار وجود الله.

في هذا الكتاب يشرح انجيليز أن الإيمان بما هو فوق الطبيعة قد أختفي تماما من الحضارة الحديثة ويقول أن الله قد فقد مكانته كحاكم في السماء و تفوقه الزمني للكون كالخالق له من العدم و يصر بالقول ” ليس أن الله قد نفي إلي جزيرة نائية أو أنه صار بدون جسد (أي دون انتماء إلي جنس الذكر أو الأنثى) لكن فى الحقيقية أنه لا يوجد إله يمكن الانتماء إليه –ماذا يتبقي؟ الإنسان والكون. وفى هذا الكفاية لنا، لأن هذا هو كل شيء.”

 

Comments are closed.