تعريف بوجهات النظر العالمية

دليل المسافرين

عندما يتعامل المسيحيون مع وجهات نظر عالمية أخري أو عندما يحاولون الحديث عن الأنظمة (العالمية) مثل السياسية، الاقتصاد، القانون. يعتبر الكثيرون أنهم بهذا العمل يتجاوزن حدودهم. ويقولون لنا ” انظروا إلي عملكم الخاص، لقد علم يسوع تابعيه

“أنتم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم” (يو15: 19)

كيف يمكن إذا أن يتمسك الشخص المسيحي بحقه في تبني وجهة نظر تتحدث عن مجالات الحياة؟ ألا ينبغي أن يتمسك بالأمور الروحية ويترك غير المسيحيين يهتمون بأمور العالم؟

باختصار ألا يوجد فرق بين الأمور الدنيوية والمقدسات؟

ليس كما يقول ديترتش بنهوفر بأنه علينا ألا نفرق بين الأمرين” لا توجد حقيقتان، لكن توجد حقيقة واحدة هي حقيقة وجود الله التي أعلنت للعالم في شخص يسوع المسيح

في هذا الكتاب، نقدم وجهة النظر الكتابية في عشرة أنظمة تعكس نظرات مختلفة عن الله ونظامه في الخليقة والفداء. خلق الله الجنس البشري في أبعاده الدينية، الفلسفية، الأخلاقية …. إلخ ونحن نحيا ونتحرك وفق هذه الأبعاد (بكل ذواتنا وكياننا). هذه المجالات لها اعتباراتها، لماذا؟ لأن الله خلقنا بهذه الصورة.

والحالة هكذا، تري وجهة النظر المسيحية أن هذه المجالات ليست دنيوية بل مقدسة، لأنها كامنة في نظام الخليقة. وتتأكد هذه الحقيقة من   سفر التكوين 1: 1 كما من حياة  يسوع المسيح.

نقرأ في تكوين 1: 1 ” في البدء خلق الله السنوات والأرض” ثم يأتي الشرح التفصيلي لهذا النص في تكوين 2: 9 حيث نقرأ عن معرفة الإنسان للخير والشر

وأمور أخلاقية أخري.  تعبير “كأجناسها” تك1: 21 هو تفصيل لعلم الأحياء، تكوين 2: 7 ” نفسا حية” هو علم النفس، تعبير ” أكثروا واثمروا واملئوا الأرض” تك1: 28 هو علم الاجتماع والبيئة. تكوين 3: 11 ” أوصيتك” علم القانون. تكوين 9: 6 “سافك دم الإنسان”السياسة “تكوين 1: 29 ” لكم يكون طعاما” علم الاقتصاد. تكوين 3: 15 ” أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها” علم التاريخ. ونري أن الأنظمة العشرة متضمنة في الأصحاحات الأولي في الكتاب المقدس لأنها تعلن اتجاهات معينة في نظام الخليقة

أكثر من هذا يعلن الله نفسه في الرب يسوع المسيح بصورة توضح كل الأنظمة. ففي جال العقيدة نقرأ أن المسيح هو ” ملء اللاهوت” (كو2: 9)   وفي الفلسفة المسيح هو “كلمة الله- لوجوس” (يو1: 1).   في علم الأخلاق الرب يسوع هو “النور الحقيقي” (يو1: 9 و3: 19-20) في علم النفس ” المسيح هوالمخلص” (لو1: 46- 47 ، تي2: 13 ) في علم الاجتماع المسيح “هو الابن لو1 30-31 أش 9: 6 6 ) في القانون المسيح هو” معطي الشريعة” تك49: 10، أش 9: 7 ) في السياسة المسيح هو “ملك الملوك ورب الأرباب” (رؤ19: 16، 1 تي 6: 15، أش 9: 6، لو1: 33 ) في الاقتصاد المسيح هو “مالك كل شيء” (مز24: 1 ،50: 10-12 ، 1كو 10: 26) في التاريخ المسيح هو ” الألف والياء” (رؤ1: 8). وقد أصبح تكامل هذه الاتجاهات في المجتمع، هو الذي يطلق عليه الحضارة الغربية.

يزودنا الكتاب المقدس وحياة الرب يسوع بأساس وجهة نظر عالمية كاملة. و في الحقيقية يستطيع المسيحي أن يحصل علي نظرة شاملة.   وعليه أن ” يستأثر كل فكر لطاعة المسيح” (2كو10: 5)

إذا كنا نستأثر كل فكر لطاعة المسيح فلابد أن نستخدم هذه الوجهات حتى نكون ” هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله” ( 2كو 10: 5 ) عندما تنسي الأمم و الشعوب الله (مز2 ) فهي تختبر ما اختبرته البشرية في القرن العشرين. أنكرت النازية والشيوعية- كحركتين كبيرتين- معرفة الله- فتكلف الجنس البشري موت مئات الملايين من البشر. يقول ويتكر شامبرز أن مشكلة الشيوعية ليست مشكلة اقتصاد لكنها مشكلة إلحاد ” العقيدة هي المشكلة الرئيسية في هذا العصر. ويردد ألكسندر سلهنتين ” لقد نسي الناس الله”

ويقول الرسول بولس في كو2: 6-7 “فكما قبلتم يسوع المسيح اسلكوا فيه، مبنيين فيه متوطدين في الإيمان كما علمتم”. بينما يعمل المسيحي علي تقوية إيمانه ووجهة نظره عليه أن يتأكد ” ألا يكون أحد يسيبه بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح” (كو2: 8) وبحسب وجهة النظر المسيحية، تعتبر وجهات نظر النزعة الإنسانية العلمانية، الحركة الكونية والماركسية داخلة في نطاق

” أركان هذا العالم” ذلك لأن كل منها مؤسس بحسب حكمة العالم وليس حسب المسيح.

لم تكن هذه مجرد عقيدة عند الرسول بولس، بل كان بولس يحيا ويعظ بها. واجه بولس في أعمال 17 فلاسفة الضلال والخداع الملحدين: الأبيكوريين والرواقيين – أتباع النزعة الإنسانية في ذلك العصر وقارن الرسول بين مبادئهم والتعاليم المسيحية. قدم لهم ثلاث أركان الحق المسيحي: قيامة المسيح من الأموات      ( أع17: 18 ) ، خلق الله للكون ( أع17: 24) ثم الدينونة الوشيكة ( أع17: 31)

هل نقدم للعالم أقل من ذلك؟ علينا أن نعلن لهم أخبار الإنجيل السارة، الله الخالق للكون وكل ما فيه. عندما عصى الإنسان الله وشوهت الخطية صورة الله فيه، مات المسيح من أجل خطيانا. قام من الأموات وهو حي إلي الأبد(1 كو 1: 1-4 ) علينا أن نكون راسخين أمام وجهات النظر العالمية كما فعل بولس و هو يعلن هذه الأمور الثلاثة: الخليقة ، القيامة، والدينونة

العقيدة في الحركة الماركسية /اللينينية

 عرف بولس أن الإنسان لا يستطيع أن يقسم اتجاهات الحياة تحت أحد العنوانين

” مقدس – دنيوي” كما أدرك أنه ليست المسيحية فقط هى التى لها وجهة نظر عالمية ودينية لكن جميع وجهات النظر العالمية الأخرى لها طابع ديني أيضا. ففي الحقيقة ذهب بولس أبعد من ذلك بأن أخبر الابيكوريين والرواقيين أن لهم عقيدة لأنهم عبدوا ” إلها مجهولا”

لا توجد مشكلة في أن يعترف كثيرون من غير المسيحيين بأنهم متدينون. يتحدث اتباع الحركة الإنسانية الكونية عن إله، فلهذا لهم دين. لكن كيف يمكن اعتبار الملحدين مثل الماركسيين وأتباع الحركة الإنسانية العلمانية بأنهم متدينون؟

أتباع هذه الحركات لهم وجهة نظر عقائدية – تبدأ بإعلان ديني. بينما تبدأ المسيحية بالآية ” في البدء خلق الله”، تبدأ الماركسية والإنسانية العلمانية بالعبارة ” في البدء لم يكن هناك إله”. وتبدأ الإنسانية الكونية بالإعلان ” كل شئ هو الله “.

توضح وجهة النظر الماركسية على أنها دين في حد ذاتها، بأساليب عديدة كما هي فلسفة مادية جدلية تعطي نفسها خواص إلهية. أعلن جوستاف ا وتر في المادية الجدلية

“يعود الإلحاد في المادية الجدلية إلي ما هو أبعد من مجرد إنكار وجود الله …ليس المهم في المادية الجدلية إنكار لما هو سامى فقط، ….. بل أن يقوم الإلحاد بتفسير الكون بعملية تطور مستمرة تمتد إلي اللا محدود. من المفروض أن يستمر العالم في تطور ذاتي إلي أعلي مستوى من الكمال بقوته الخاصة وبفضل وجوده الجدلي، ويلاحظ نيكولي بنديف أن خاصية الجدل تمنح المادة خواص إلهية بالإضافة إلي خواصها الذاتية”

حتى أتباع النزعة الإنسانية العلمانية من عصر برتراند رسل يقرون بأن الماركسية حركة دينية ” يكمن الخطر الأكبر في عصرنا في الأديان الجديدة، الشيوعية والنازية

ويعترض علي هذه التسمية كل من الأصدقاء و الأعداء لكن هذين الحركيتين تشتملان في الحقيقة علي كل خواص الأديان، حيث يتبنى كل منهما أسلوبا في الحياة علي أساس عقائد لا عقلانية. فلكل منهما تاريخ مقدس، مسيا وكهنوت. لا يمكن أن نري أكثر من هذا في أي حركة لكي نصفها بأنها دين

العقيدة في الحركة الإنسانية العلمانية

تعتبر الحركة الإنسانية العلمانية أكثر انفتاح ديني عن الماركسية. كتب تشارلز فرانسيس بوتر الذي وقع بيان [ 1] للحركة الإنسانية كتابا عنوانه ” الحركة الإنسانية : دين جديد” أعلن بوتر أنه ينظم مجتمعا دينيا- أول مجتمع للحركة الإنسانية في نيويورك.

يصف البيان الرسمي الأول (1933) جدول الأعمال الدينية للحركة الإنسانية. كتب بول كيرتز في مقدمة البيانين الأول والثاني الرسميين (1980) ” الحركة الإنسانية هي وجهة نظر فلسفية دينية وأخلاقية “ وكتب جون ديوي وهو الذي سبق أن وقع علي البيان الرسمي الأول ” إيمان عام ” قال في هذا الكتاب ” يوجد هنا كل عناصر الإيمان الديني الذي لا تحده طائفة، طبقة أو جنس. الأمر الذي يجعله واضحا وراسخا”

بينما يغفل البيان الرسمي الثاني (الذي كتبه كيرتز ونشر عالم 1963) تعبير” النزعة الإنسانية الدينية” لكنه يحتوي على استخدامات وعبارات دينية في تقريره ” لن يخلصنا الله، يجب أن نخلص أنفسنا”

كتب لويد مورين الرئيس السابق للحركة الإنسانية الأمريكية مع زوجته ماري كتاب بعنوان ” الحركة الإنسانية الخطوة التالية” (1954) . وصف المؤلفان في هذا الكتاب الحركة الإنسانية كالدين الرابع. و فاز الاثنان بالجائزة السنوية للعام 1994.

ذكرت المحكمة الأمريكية العليا في تقريرها بخصوص تراكسو ف واتكنز (1960) أن ” من بين الأديان التي تؤمن بوجود الله: البوذية، الطاوية، الحضارة الأخلاقية، الحركة الإنسانية العلمانية. و في عام 1965 منحت المحكمة العليا داانيال سيجر مكانة ملائمة بسبب معتقداته الدينية وتصريحه بأنه يتبع الحركة الإنسانية وأنه ملحد”

يشمل دليل طلاب ومدرسي جامعة أوبورن قسما عنوانه ” رعاة وخدام أوبورن” تضمنت القائمة مستشار الحركة الإنسانية ديلوس ماكون رئيس قسم الفلسفة في الجامعة. وتوجد نماذج أخرى: تضم جامعة أريزونا خدام الدين وهم أعضاء من الحركة الإنسانية العلمانية. يوجد راعي من الحركة الإنسانية في جامعة هارفارد ومعه 33 خادم أخر يعملون لزعزعة الخدمة المتحدة في هارفارد وريدكاليف. وينال هذا الخادم التعضيد من كل من جمعية الحركة الإنسانية الأمريكية، الاتحاد الأدبي الأمريكي، هيئة الحركات الإنسانية الدينية و ” تبرعات سخية من كاروليس لامونت”.

تخول الهيئة الأمريكية الإنسانية لهؤلاء “المشيرين الحق و المنزلة القانونية للعمل كخدام مرتسمين من كهنة، رعاة، ومعلمين ” في المقدمة تذكر الهيئة أن أحد أعمالها هو امتداد مبادئها فى العمل التربوي. لتحقيق هذه الغاية تنشر كتبا، دوريات، كتيبات. تعقد محاضرات تدريبية ” وتؤكد أن المشورة الإنسانية هي الخدمة الرسمية للحركة”

كتب كيرتز كتابا شجع تأسيس كنائس النزعة الإنسانية و أطلق عليها “مراكز أبراكسوفية” معترفا أن الحركة الإنسانية المنظمة في أمريكا تدخل في مأزق إذا ما اعتبرت دينا. لماذا ؟ الجواب ببساطة هو أن هيئة الحركة الإنسانية الدينية (300 عضو)

الاتحاد الأخلاقي الأمريكي (300 عضو)، الحركة الإنسانية اليهودية (400 عضو) . يعتبرون أنفسهم متدينون. حتى ” الهيئة الأمريكية الإنسانية” بحسب تقرير كيرتز لها إعفاء ضريبي ديني بحسب القرار 501 الفقرة الثالثة

إنكار كيرتز بأن تكون الحركة الإنسانية دينا ليس مؤسسا علي الحقيقية لكنه مناورة سياسية معروفة. يريد كيرتز أن يدافع عن إجابة السؤال الأهم، إذا كانت الحركة الإنسانية الإلحادية دينا فما هو هذا الذي يحدث في مدارس التعليم العام؟ وإذا كانت المسيحية قد أبعدت عن المدارس العامة تحت قناع فصل الكنيسة عن الدولة- لماذا لا تستبعد الحركة الإنسانية العلمانية بدورها أيضا؟ وكيرتز يفهم هذا- أنه إذا كانت هذه النزعة دينا ففي هذا انتهاك أول نص في دستور الولايات المتحدة

لقد ثارت ثائرة المسيحيين الذين رأوا اقتلاع وجهة النظر المسيحية من المدارس العامة بواسطة أتباع الحركة الإنسانية في تفسيرهم الفقرة الأولي من الدستور. وأنهم غاضبون حيث يسيطر 7.3 مليون من أتباع الحركة الإنسانية علي المدارس العامة بينما يقدم المسيحيون في الدولة نصيب الأسد من الضرائب ويتحملون نفقات التعليم.

يحاول الإنسانيون أن يدافعوا عن انتهاكهم هذا في تعديلهم الفقرة الأولي من الدستور بأنهم يقدمون وجهة نظر محايدة لكن لا يوجد اتجاه تربوي محايد. وكما يذكر ريتشارد. د. أ مارير ” لا يمكن أن تشغل التربية فراغا أخلاقيا أو فلسفيا، وإذا لم نقدم الأسئلة الهامة عن مصير البشر ونجيب عليها في إطار مصيري دي/مسيحي (كوجهة نظر)، سوف تقوم بهذا العمل فلسفات أو ديانات أخري. ولا توجد واحدة منها محايدة

ومن الواضح أن كل من النزعة الإنسانية والحركة الماركسية دين في حد ذاته. أما محاولة فصل ما هو مقدس مما هو دنيوي فهي كمثابة فصل النفس عن الجسد- هذا اختبار قاتل. وهكذا، ولكي نقدم نظاما تربويا لشبابنا علينا أن نعترف أن كل وجهة نظر لها طابع ديني وأنها تعترض الوجهات الأخرى دون غيرها داخل فصل الدراسة.

 

Comments are closed.