علم النفس في الإنسانية العلمانية

لسان المتعلمين

” مع أنني أدرك تماما المدى الكبير للسلوك الهدام في عالمنا اليوم- من تهديد الحرب إلي العنف الصاخب في الشوارع- لا أجد ان هذا الشر أصيل في الطبيعة البشرية.”   كارل روجرز

  يشبه علم نفس الحركة الإنسانية باقي وجهات النظر في تأثره القوي بفروض الحركة الإنسانية حول العقيدة ، الفلسفة ، الأحياء. يعطي القادة النفسانيون الافتراض بأن وجود الله هو خرافة ، ثم بالادعاء أن الإنسان هو ببساطة نتاج التوالد التلقائي في بلايين من سنوات التطور. و تسير مع هذين الفرضين الفلسفة الطبيعية يدا بيد.  

  لآن الحركة الإنسانية الطبيعة تنكر وجود ما هو فوق الطبيعة بما في ذلك العقل النفس الشخصية بالمعني المحسوس يبقي لها القليل لدراسة علم النفس . يركز علم النفس الإنساني بشدة ، في حالة تماسكه ، علي الأمور المادية : العقل ، البيئة ،الدافع والاستجابات البشرية لهذا الدافع. اتجاه علم النفس مع هذه المدلولات الطبيعية يطلق عليه ” النظرية السلوكية”. تؤمن النظرية السلوكية أن كل الأفكار و الشخصيات البشرية هي مجرد نتاج تفاعلات فيزيقية للعقل. بالنسبة لهم ، علم النفس هو علم السلوك- كيف يشجع الدافع الجسدي والعقلي علي التحرك. 

  يجب علي تابع الحركة الإنسانية الذي يقتنع بوجهة نظره أن يعتنق النظرية السلوكية. إذا كانت امور ما فوق الطبيعة غير موجودة ، إذا علي الشخص أن يمارس سيكولوجية لا تعترف إلا بالطبيعي ، منطقيا، الإنسانيون سلوكيين  في الممارسة، تقبل قلة من الإنسانيين النظرية السلوكية . سبب عدم اقتناعهم ببساطة هو أن السلوكية نظرية استخفاف ، تقلل من الإنسان إلي حد الذاتية. لا تسمح السلوكية بالحرية البشرية ، لابد تكون الحرية الشخصية متأصلة في الإرادة ، النفس أو العقل. بحسب النموذج السلوكي ، الرجال والنساء هم مجرد أجساد، ولهذا يكون سلوكهم من إملاء البيئة الطبيعية . ليست هذه نظرية جذابة و لا يبدو أنها تناسب اختبارنا اليومي وهكذا يتخلي علماء النفس عن المنطق و نتائج أسلوبهم الطبيعي الإلحادي.  

  يطلق معظم أتباع الحركة الإنسانية علي علم النفس عندهم علم نفس ” القوة الثالثة” لأنهم غير راغبين لاعتناق ” السلوكية ” أو أي نموذج أخر شائع ” الفرويداتية” . من أحد الجوانب يرفض الإنسانيون السلوكية لأنها تهدم مفهومهم الخاص عن الحرية. من جانب أخر يرفضون الفرويداتية لأنها تركز علي الفرد بعيدا عن المجتمع . الإنسانيون هم غير راضين علي الفرعين المعروفين في علم النفس . ويخلقوا فرعا ثالثا.

 هل الإنسان صالح أم شرير؟

   بينما تؤمن المسيحية أن الإنسان مخلوق ساقط ، يعلن علم النفس في الحركة العلمانية مؤكدا صلاح الإنسان في الداخل. يكتب ماسلو بقدر ما أعرف ليس لنا أي غرائز شريرة جوهرية. يكرر كارل روجرز نفس الشيء ” أري أعضاء من الأنواع البشرية مثل أعضاء من أنواع بنائية في طبيعتهم الأصلية ، لكنهم محطمون في اختبارهم ” و كذلك يري بول كيرتز الإنسان وله قابلية للكمال”

  رسم صورة الإنسان هكذا أمر متنافر مع وجهة النظر المسيحية لدرجة أن أضطر الإنسانيون إلي مهاجمة عقيدة الخطية الأصلية. يذهب البعض بعيدا ويعيدون تفسير الكتاب المقدس لتشويه فكرة سقوط الإنسان . يدعي اريك فروم ” التفسير المسيحي لقصة إهمال الإنسان والسقوط في العصيان تعتم المعني الواضح للقصة . لم يذكر النص الكتابي كلمة خطية . لم يتحدي قوة الله الفائقة ، وهو قادر علي التحدي لأنه عو الله هو القادر”

  و لا يزال يحاول علماء النفس العلمانيون أن يهاجموا كل وجهة نظر مسيحية في محاولة تجنب الخطية الأصلية. كتب دينيدل واتيس ” لقد غسل عقل المسيحي ليؤمن أنه ولد في الخطية، و عليه أن يتألم كما تألم المسيح. وعليه أن يكون طموحا إلي الوصول إلي مستوي إنساني مستحيل رغم ذلك” بحسب واتيس كل هذا الهم والذنب الذي يحصده المسيحي يقوده إلي المرض العقلي ” المسيحي الحقيقي عليه أن يعيش في عذاب حيث أنه لن يستطيع أن يتأكد من غفران الله لخطاياه” 

  من الواضح أن علماء النفس في الحركة العلمانية لا يقرون بوجهة النظر المسيحية في الخطية الأصلية . هذا، لأن هذه العقيدة تفسر وجود الشر البشري في العالم، بينما يري علماء النفس العلمانيون السطح ، علي أي حال، اشتقت الحركة نظرية تتوافق مع فكرة صلاح الإنسان الداخلي، وهي نظرية تفسر وجود الحروب والجريمة ….. إلخ  و هذه النظرية تسبب حرجا لأطار الحركة النفسي.

لماذا يقترف الصالحون أمورا رديئة ؟

  يقول ماسلو ” الدوافع الطيبة داخل البشر- سرعان ما تكتمها الحضارات ولا تراها اطلاقا في المكان الصحيح” يشارك في هذه النظرة كل العلمانيين وهي أن الحضارات هي القوة المسئولة عن شر الإنسان. وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يفسر بها أن الإنسان صالح مع أنه يرتكب الشر .  

  لذلك يلاحظ روجرز قادني هذا الأختبار أن أؤمن أن تأثير الحضارات هو العامل الرئيسي في السلوك غير القويم للبشر” 9 عليهم أن يفروا أن الشر نتيجة تأثير الحضارة و هي التي تقتلع ميول الخير عند البشر.  

  لا يميل عالم النفس العلماني رولو ماي أن يعترف بهذه المقدمة . فيقول ماي

 ” تقول أن الحضارة هي الدافع المباشر للسلوك المنحرف . هذا يجعل الحضارات عدوا . لكن من الذي صنع الحضارة إلا أفراد مثلي مثلك “لكن هذا يقودنا إلي التساؤل ، كيف يمكن أن تكون الحضارة هي المحرك للسلوك المنحرف ما لم يكن هناك دافع داخل الإنسان نحو الشر؟ لم يعطي علماء النفس إجابة لهذا التساؤل لأنهم يركزون علي الذات وليس علي المجتمع.

وجهة نظر محورها الذات

   يعتقد علماء نفس الحركة أنه يوجد سر لصحة عقلية أفضل ويكمن السر في التلامس مع الذات التي لم تفسر. عندما يحفظ الإنسان نفسه من كل شر في المجتمع ، يصير عاملا لفضيلة غير محدودة. فكم من القدرة يحتاجها هذا الإنسان؟ يذكر فروم في كتابة ( ينبغي أن تكون الله)  ينبغي أن تعتمد علي الذات لدرجة التمركز حولها. يقول مارلي ” لكي تعرف الحقيقية الإنسانية يجب أن تعرف النفس أولا وعلاقتها بالآخرين ، ثق بنفسك فتستقل ، تعلم من الآخرين لكن لا تجعل لك منفذا واحدا و كرر ماسلو فكرة الثقة بالنفس والنزعة الطبيعية ” حيث أن الطبيعة الداخلية هي خير أو علي الأقل محايدة ليست رديئة فمن الأفضل تشجيعها وليس قمعها. وإذا سمحنا بقيادتها لنا تصير أصحاء و سعداء”  وأنه يجب أن ننظر إلي أنفسنا ، إرادتنا، رغباتنا بهذا نصير صالحين.

   في الحقيقة يعتقد العلمانيون أن التمركز حول النفس هو الفكر العصري و هو الفلسفة الجديدة . يقول روجرز وهو يحدد فلسفة المستقبل ” سيكون محورها الفرد كعنصرله قيمتهلكن العلمانيين يفهمون أن هذا الميل إلي الذات هو غير فعال لصحة الفرد ولبناء مجتمع فعلي. عندما يقبل المجتمع أنه في حاجة إلي الفرد ستكون هناك سيطرة كاملة ويمكن تغيير قدرة الإنسان غير المحدودة.

تحقيق الذات .

  يشير ماسلو إلي الإنسان في صلاحه الداخلي بأنه ” يحقق ذاته” و هو يذكر هذا الاتجاه في الصلاح الداخلي فان الإنسان في حاجة يمكن اشباعها. عندما يشبع الشخص حاجاته الداخلية، الحاجات النفسية، الحاجة إلي الأمن، المجتمع و الذات، يجب عليه ان يشبع الحاجة إلي تحقيق الذات قبل أن نقر أنه صحيح عقليا.  

  بحسب ماسلو قلة في المجتمع الحديث هم الذين يحققون الذات . هكذا عندما نحاول دراسة تحقيق الذات نجد أن عددا قليلا في التاريخ هم الذين وصلوا إلي مرحلة تحقيق الذات مثل ابراهام لنكلون و توماس جيفرسون و البرت أينشيتين، الينور روزفلت ، جين وليمز، البرت شيفرز، هكسلي، وغيرهم من النماذج التي حققت درجة ( عالية ) من التحقق الذاتي”  

  بالطبع الذي يميز هذه الشخصيات التاريخية كأفراد تناغمهم أكثر مع ذواتهم الحقيقية؟ ما هي خواص الفرد الذي تحقق ذاتيا؟ يقول ماسلو أن التحقيق الذاتي ” يركز علي الكيان كله” و أن التطور مؤسس علي طبيعية الإنسان” يستند هذا التأكيد كما يوافق علماء نفس الحركة علي افتراض صلاح الإنسان في الداخل المتطور.

القيم التي مركزها الإنسان

   يجب أن نفهم هذا الصلاح الأصيل أنه “خير في المفهوم الكتابي التقليدي . إنه صلاح متطور . يقول ماسلو أن البشر الذين تحققوا ذاتيا ” يميزون بين الصواب والخطأ ، الخير والشر وهم في الغالب ليسوا متمرسين بالأعراف”  يتفق اليز و اولين أن الإنسان يتحول باستمرار .. إلي ما يريد . لكننا لا نشجع نموذج الشخصية المبنية علي الأفكار التقليدية من الصواب أو الخطأ لكن نوع الشخص الذي هو قادر أن يتقدم إلي الأمام إلي مستقبل غير مؤكد”

  بالنسبة للإنساني فإن الأخلاقيات لا تنفصل عن علم النفس. يؤمن فوروم ” أن القيم متأصلة في كيان الإنسان لذلك نعرف هذه الحالات من موقف الإنسان. يقودنا هذا إلي تأسيس قيم لها شرعية وموضوعية . هذه الحقيقة توجد فقط مع وجود الإنسان وخارجه لا توجد قيم”

  لذلك يجب علي الإنسان أن يتحول بعينيه إلي الداخل و أن يقرر ما هو صالح . ليس في حاجة إلي القلق وطلب مساعدة الأخرين لكن ينبغي عليه ببساطة أن يركز في ذاته لكي يخلق ذات صالحة . ويصف ماسلو وجهة النظر هذه بالقول ” بصفة عامة يبدو كما لو كانت أفضل طريقة لمساعدة الناس لكي ينموا نحو تحقيق النفس هي أن يصبح الشخص صالحا في الذات” 19 و يعتنق تابع الحركة الإنسانية أن التمركز علي الذات يخلق عالما أفضل.

   هذا النداء هو أن يكون الشخص صادقا مع مشاعره وطبيعتة الداخلية ، أن يسمح بقدر كبير من التجربة، إذا كان الشخص يشعر بميل داخلي للسلوك بطريقة خاصة . من له السلطة أن يفسر ويسئ إلي هذه المشاعر ؟ يؤكد النفسانيون حرية الإنسان في التجربة وعمل القيم واختبار الاتجاهات الأخلاقية التي تتناسب بصدق مع طبيعتة الداخلية.  

  يدرك علماء الحركة الإنسانية العلمانية أن الشخص الذي يتحقق ذاتيا هو السلطة النهائية المطلقة بصرف النظر عن مقدار التجربة العمالية التي يحتاجها ليكتشف أنه  ” الخير ” لهذا الشخص . قد يتناقض مع أشخاص أخرين . فالذي يراه ” خير “ له قد لا يكون كذلك لدي فرد أخر لأنه لا توجد قواعد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  يحاول علماء الحركة الإنسانية أن يضعوا قيدا في خط التفكير هذا ، قله منهم لهم التحقق الذاتي و أنه يجب علي الذين لم يحققوا ذاتيا أن يطلبوا المشورة . بحسب ماسلو يستطيع غير المتحققين ذاتيا أن يتعلموا الخير بمراقبة الذين سبق لهم أن تلامسوا مع أنفسهم الحقيقية أن ينظروا إلي الصحة العقلية (الأشخاص الذين تحققوا لهم الصحة العقلية ليقرروا الأمر علميا) مثلا إذا كان هناك تعدي جنسي علي الأطفال أو ( الجنسية المثلية) يقول مسلو ” أقترح أننا نكتشف النتائج بالملاحظة إلي أي نوع نختار ثم نفترض القيم العليا للبشر”20

 

هل الدراسة النفسية في الحركة الإنسانية علما؟

 

  يري اتباع الحركة أن اقتراحات ماسلو مؤسسة علي وجهة نظر علمية . المشكلة كما تلاحظ أن دراساتهم النفسية بعيةد تماما عن العلم.

 

  يحاول الإنسانيون لهذا أن يشعلوا النار الحمراء في العلم لكي يبرروا معتقداتهم الجديدة بالإشارة إلي إخفاق نماذج علم النفس الحالي في مساعدة الأفراد لفهم طبيعتهم. يشكو ماي ” نحن نعلم الكثير عن التفاعلات الكيميائية في الجسم و لماذا تصيب الأمراض الجسد، لكن نعلم القليل جدا ما هو سبب مشاعر الكراهية لدي الناس.

 و لماذا لا يستطيعوا أن يحبوا ؟ لماذا يقاسي البشر من مشاعر القلق و الذنب؟ لماذا يحطمون بعضهم البعض”21

 

  يعتقد الإنسانيون أن علم النفس لديهم هو الطريق الوحيد لتفسير أفضل لسلوك البشر ولهذا فهو مؤسس علي ” العلم” . يعتقد روجرز ان العلم الصحيح ” سوف يكتشف المعاني الشخصية الداخلية في محاولاته لكشف العلاقات القانونية المنظمة في العقل. العلم يمكنه أن يستفيد من فهم العالم الداخلي للإنسان الأمور التي تعتبر بلا معني بالنسبة لعالم السلوك. المسئوليات التي نقبلها أو نرفضها ، ظاهرة الفرد في العالم مع نسيج المعني المتصل بها”22 لسوء الحظ بالنسبة لتابع الحركة الإنسانية لا تسمح التعريفات السالفة لعلم نفس الحركة ان يأخذ صيغة علم لكنه يعتبر من الأديان وليس بها المسيحية.

ألا يعتبر أي دين دينا رئيسيا عندما يحاول أكتشاف معاني الشخص الداخلية؟

 

  لن يقف الإنسانيون طبعا في معالجة المسيحية كاختبار قابل للتطبيق ، فيستمر تعريفهم للعلم الجديد في محاولة تقسيم نفس الإنسان و استبعاد الدين و طبعا لن يتمكنوا من فعل هذا لأن علم النفس الحالي لديهم يحتاج إلي قفزات إيمان كبيرة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة

 

 

  يعترف أتباع الحركة الإنسانية العلمانية أنهم يبدأون دراستهم للنفس و العقل والعمليات العقلية بفروض معينة . الفروض الرئيسية الثلاثة في علم نفس الحركة الإنسانية هي : الإنسان صالح بطبيعته و لهذا هو قابل للكمال، المجتمع و مؤسساته هي المسئولة عن أعمال الإنسان الشريرة، يمكن استعادة الخير والصحة العقلية لكل واحد بالتلامس مع الخير الكامن في داخله. تتفق الماركسية مع الفرضين الأولين . تنكر المسيحية الفروض الثلاثة. تصر المسيحية علي أن الأفراد لا بد أن يواجهوا طبيعتهم الخاطئة وأن يحملوا مسئولية أعمالهم الغير أخلاقية. بدلا من لوم الأخرين. فالحركة الإنسانية تعطي المنفذ لهؤلاء الذين لا يمكنهم أن يقبلوا المسئولية الأخلاقية.

 

 

 

 

 

 

 

 

  يحتاج الإنسانيون أن يحتفظوا بملاحظة “ماي” في عقولهم : فإذا كان الإنسان صالحا لماذا نري المجتمع شريرا هكذا؟ ربما كان نفس الفكر عند روجرز عندما قال

” أريد أن أكتب اعترافا أخيرا . عندما أعرض علم النفس للأشخاص من الخارج ، أقدم لهم علم نفس متوهج للمستقبل …….. لكن ليس لدينا سبب ما نشعر به بالرضى عندما نتطلع إلي هذا المستقبل” 23

 

 

 

Comments are closed.