من أجل خلاصنا نزل من السماء

سيمفونية العازفين

هذا الذي من أجلنا نحن البشر، و من أجل خلاصنا.”( قانون الإيمان)

يشتمل الخلاص على فداء الإنسان كله. وهو مقدّم مجانياً لكل من يقبل المسيح رباً ومخلّصاً. وقد أوجد الرب يسوع لكل من يؤمن فداءً أبدياً بدمه. ويتضمن الخلاص، بمعناه الأوسع، الولادة الجديدة والتقديس والتمجيد.

أالولادة الجديدة، أو التجديد، عمل تجريه نعمة الله، بموجبه يصير الذين يؤمنون خلائق جديدة في المسيح يسوع. إنه تغيير في القلب يُحدثه الروح القدس من طريق التبكيت على الخطية، ويتجاوب الخاطئ معه بالتوبة والإيمان بالرب يسوع المسيح.

التوبة والإيمان

هما من عمل النعمة الإلهية. أما التوبة فهي تحوّل أصيل عن الخطية نحو الله. وأما الإيمان فهو قبول يسوع المسيح وتسليمه كامل الشخصية باعتباره الرب والمخلّص. والتبرير هو التبرئة الكاملة بنعمة الله، وعلى أساس البر الإلهي، لجميع الخطاة الذين يتوبون ويؤمنون بالمسيح. والتبرير يقود المؤمن إلى علاقة بالله قوامها السلام والرضى.

التقديس

اختبار يبدأ عند الولادة الجديدة، وبه يتم فرز المؤمن لمقاصد الله ويُقدّر على الارتقاء نحو الكمال الأدبي والروحي بواسطة حضور الروح القدس الساكن فيه وبقوته .وينبغي أن يستمر النمو بالنعمة طوال حياة الإنسان المولود من جديد.

التمجيد

هو اكتمال الخلاص، وهو الحالة النهائية المباركة والأبدية لجميع المفديين.

الخلاصكلمة لها في الكتاب المقدس معانٍ شتى. ففي العهد الجديد، تستعمل للإنقاذ من الخطر أو الهلاك (متى 8: 25؛ أعمال 27: 20) والشفاء من المرض (متى 9: 22). على أن استعمالها الأعظم هو الخلاص الروحي بوساطة المسيح (متى 19: 25؛ يوحنا 3: 17).

فالخلاص بهذا المعنى يتضمن فداء الإنسان كله. والفداء يعني فكاك شيء بدفع ثمنه لإعادته إلى ملكية مقتنيه. وقد دبّر الله نفسه دفع الفدية للوفاء بمطالب طبيعته القدوسة البارّة. هذا الأمر أتمّه بموت المسيح وقيامته: “الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه” (2 كو 5: 19). فعلى الصليب قدّم المسيح الذبيحة الواحدة الكافية والوافية من أجل خطايا البشر– “وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا” (عب 9: 12).

مازال هذا الخلاص يقدّم إلى جميع الذين يؤمنون بمبادرة من الله تعبيراً عن محبته للخطاة– “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو ا 3: 16). هذه الحياة الأبدية ليست حياة تبدأ بعد الموت، بل إنها نوع من الحياة الذي هو أبدي بطبيعته ويبدأ لحظة يؤمن المرء بالمسيح ثم يستمر مدى الأبدية.

لنلاحظ أن الخلاص ليس منكموليس من أعمالباعتبار مصدره، بل هو عطية الله“. إنه بالنعمة التي تصير في متناول المرء من طريق الإيمان الشخصي. فلا يخفَ أن الأعمال الصالحة بالنسبة إلى الخلاص ليست السبب بل النتيجة.

ولا يعني هذا أن المرء يكون باراً داخل نفسه، بل أنه يُعتبر باراً في المسيح، إذ يكون له بر الله الذي في المسيح يسوع (رو 10: 1- 10). ولا يخفَ أن المسألة كلهامن أولها إلى آخرهامتعلقة بالإيمان. إنها بالنعمة، بواسطة الإيمان.

ويمكننا أن ننظر إلى الخلاص بمعناه الأشمل فنراه ينطوي على ثلاثة أمور، هي الولادة الجديدة والتقديس والتمجيد.

الولادة الجديدة

غالباً ما يُستعمل تعبير التجديدللإشارة إلى اختبار الولادة من فوق (يوحنا 3: 3؛ تي 3: 5). وهذا عمل فوري تُجريه نعمة الله بقوة الروح القدس ومن طريق يسوع (2 كو 5: 16). وواضح أن الخلق هو من أعمال يصير أيضاً ولداً من أولاد الله، فيدخل في علاقة بالله ناجزة لا يمكن نقضها.

تكلم الرب يسوع عن الولادة مجازياً، وعبّر بولس الفكرة عينها بتعبير التبنيالقانوني (رومية 8: 15؛ غلاطية 4: 5؛ أفسس 1: 5). والتبني يعني حرفياً وضع المرء في مقام ابن“. فبموجب القانون الروماني كان ممكناً أن تتبنى إحدى الأُسر شخصاً يكون عبداً في العادة، على أن يدفع الأب المتبني مقداراً من المال بحضور شاهد. وبالتالي يحظى المتبني بحقوق الابن الجديد كافة. وكان هذا الشخص يُعتبر كما لو أنه وُلد ولادة ثانية في أُسرة جديدة، فيحصل على حقوقه البنويةبما فيها الإرثجنباً إلى جنب مع الأبناء المولودين في تلك الأسرة أصلاً. كذلك أيضاً كانت تستقر عليه مسؤوليات البنوية (رومية 8: 17).

والولادة الجديدة هي نتيجة للتبكيت على الخطية والتوبة عنها والإيمان بالرب يسوع المسيح والاعتراف بهذا الإيمان. أما التبكت فهو حالة ذهنية وقلبية تتيح للخاطئ أن يدرك أنه خاطئ أصلاً وفعلاً، كما تتيح له أن يعترف بذلك. والتبكت عمل يجريه الروح القدس (يوحنا 16: 8) وفي هذه الحالة يتصرف المرء أحد تصرُّفين: إما أن يقبل المسيح مخلّصاً له، وإما أن يرفضه ويسترسل في الانغماس بالخطية. غير أن التبكت في ذاته ليس تجديداً.

هكذا تتم الولادة الجديدة في حياة الإنسان ويتبرر أمام الله. ولكن ليست هذه غاية الاختبار المسيحي، بل هي نقطة انطلاقه.

يعني التقديس حالة الانفراز أو التكريس لخدمة الله. ولذا يُدعى المسيحيون المؤمنون قديسينأو مقدّسين، أي مكرّسين لله ومخصصين له ومطهّرين (1 كور 1: 2؛ 2 كورنثوس 1: 1). ومعلوم أن مسيحي كورنثوس لم يتصرفوا دائماً تصرفات القداسة، إلا أنهم كانوا قديسين” . التقديس عمل فوري يُفرز بموجبه المولود ثانية لخدمة الله، وعليه من ثم أن ينمو ويتقدم ويخدم في حالة القداسة (عب 2: 3). وهذه الفكرة كامنة في الولادة الجديدة والتبني كليهما.

و يُدعى المسيحيون الحقيقيون أمة مقدسة“. فإن أتباع المسيح في العهد الجديد هم شعب الله المخصصون لخدمته. وإنها لحقيقة عظمي أن صفة القداسة تُضفى في العهد الجديد على الأشخاصكانت تُضفى في العهد القديم على الأشياء“.

والتمجيد هو تكميل الخلاص، وهو الحالة النهائية المباركة والأبدية لجميع المفديين“. إنه الخلاص النهائي والكامل الذي سوف يتحقق في السماء (رو 8: 29؛ عب 9: 28).

معنى التمجيد هو إقامة الجسد للحياة الأبدية (رو8: 23، حيث الفداءهو نفسه ما نجده في أف1: 14). وبلوغ الحصيلة النهائية من المجد والمكافأة في السماء. المسيحي المؤمن هو وارث لامتيازات البنوية، لكنه أيضاً وارث للآلام المصاحبة لهذه الامتيازات (رو8: 17): فينبغي له أن يتألم مع المسيح لكي نتمجد أيضاً معه” (ع 17). ولسوف يفوق المجد بما لا يُقاس آلام الزمان الحاضر” ( ع 18).

Comments are closed.