الصراع من اجل الحق

دليل المسافرين

” وبينما كان بولس ينتظرهما فى أثينا، احتدت روحه فيه إذ رأى المدينة مملوءة أصناما، فكان يعلم فى مجمع اليهود المتعبدين والذين يصادفونه فى السوق كل يوم. فقابله قوم من الفلاسفة الأبيقوريين والرواقيين، وقال بعضهم ماذا يريد هذا المهذار أن يقول”   أع 17: 16- 18

 

عندما ننظر إلى الصراع من أجل الحق الذي يدور حاليا في العالم يذهب تفكيرنا إلى صراع القضايا السياسية والأخلاقية، الذي يدور بين متمسكي القيم المسيحية التقليدية وبين رجال النزعة الإنسانية التحررية، الذين يسيطرون على وسائل الإعلام وعلى المعاهد التربوية. لكن هذا الصراع يذهب أبعد من مجالات السياسة والأخلاق. نحتاج كمؤمنين أن نضع في الاعتبار كيف يكون ولاؤنا للمسيح ولكلمته، كيف يكون أسلوب معتقداتنا السياسية والأخلاقية، الأسلوب الذي نفكر به في العلوم، الدين، السياسة، علم النفس، الاقتصاد، القانون والعديد من مجالات الفكر المعاصر الأخرى. ونحن نطلق على مجموعة هذه الاعتقادات وجهة النظر العالمية. وميدان وجهات النظر هو واحد من أعظم ساحات الصراع الذي تدور رحاه في عالمنا الحاضر، صراع القلوب والعقول.

 

يساعدنا هذا على التعرف على مصادر الأفكار الهدامة في القيم الحضارية وعلى فهم معتقدات الضلال غير الكتابية. عندما تفهم الاختلافات الحقيقية بين وجهة النظر المسيحية ووجهات نظر النزعات الإنسانية والماركسية في التفكير الحديث، يجعلك هذا في حالة استعداد أفضل للدفاع عن الحق الإلهي. سوف يحميك الفهم الواضح لوجهات النظر العالمية من الخداع ويعطيك وسائل فاعلة في الشهادة للمسيح في هذا العالم الضال. كمؤمنين، يجب أن نؤسس وجهة نظرنا على الكتاب المقدس ونبنيها على شخص المسيح. إن وفاءنا لإيماننا يؤثر بصورة أكبر من مجرد النظرة التاريخية.

 

يعتبر يسوع المسيح هو الشخصية السائدة في الحضارة في كافة المستويات، كما لو كنا نعيش في العصر الألفي. ذلك لأن الأفكار، المخترعات والقيم الغربية تعود جذورها إلى تعاليم المسيحية التي لمست الفنون، العلوم، النفوس، المجتمعات، الاقتصاد، الأسرة، الصواب والخطأ، الجسد والروح وأجرت فيها تغييرا جوهريا. الإيمان الراسخ وتأثيره في حياتنا ليس فقط فيما نعمل أو نوع الحياة التي نحياها، بل أيضا فيما نفكر وما نعطيه الأهمية القصوى. وقد تشكلت معتقداتنا من الإيمان الأساسى في شخص ورسالة الرب يسوع. أما الذين لا يتمسكون بهذا الإيمان الأساسى فإنهم يصلون في العادة إلى نتيجة مختلفة تماما في الحياة ومدى جدارتها.

 

لقد صمم الصراع الحضارى الذي يبتلع الغرب لكي يخلع يسوع عن العرش ويستبدل وجهة النظر الكتابية بأفكار البشر الساقطين. ويأتي الهجوم على المسيحية من مناطق كثيرة ووجهات عديدة. يعلمنا الرب يسوع أن الله خلق الإنسان ذكرا وأنثى (مر10: 6) لكن دارون، هكسلي، راسل وتلاميذهم يعترضون على هذا مقترحين أن الجنس البشري هو وليد الصدفة والتطور. ويعلمنا الرب ألا نخاف من الذين يقتلون الجسد: بل نخاف من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم (مت10: 28) لكن ينادى ووندت، واطسون، سكيز وتلاميذهم في علم النفس بأن الإنسان ليس له نفس. يعلن الرب يسوع أنه هو والأب واحد (يو10: 30) لكن نيتشه وأتباعه يقولون إنه لا يوجد أب، وأن الإيمان بالله دليل الضعف وأن كل شخص يمكنه أن يحدد أخلاقياته يعلمنا الرب يسوع أن نحب الله والقريب كنفوسنا (مر12: 30-31) بينما يؤكد ماركس ولينين أنه لا يوجد إله ويجب أن تقتلع البورجوازية باتباع العنف إذا تطلب الأمر. يعلن الرب يسوع أنه هو القيامة والحياة (يو11: 25) لكن ديوي وتلاميذه يقولون إنه لا توجد قيامة وأن الحياة هي عارض من الطبيعة. وعدنا الرب بأنه ذهب ليعد مكانا في السماء للذين يحبونه(يو14) لكن فرويد وتلاميذه يعتقدون أن الأديان مجرد وهم وتمنيات ووعود زائفة لن تتحقق. توجد اختلافات في الرأي بين المسيحية وبين وجهات النظر الأخرى التي تتصارع معها على عقولنا وقلوبنا. هذا الاختلاف يخلق نضالا ضخما

 

تسود النزعة الإنسانية العلمانية معظم مراكز القوي الاجتماعية. لقد سبقت اليهودية والمسيحية في الجامعات ووسائل الإعلام، الترفيه، القضاء والبيروقراطية الفيدرالية، في التجارة، في الطب، القانون، علم النفس، الاجتماع، الفنون، المدارس العامة، وداخل قاعات الكونجرس وقد أصبح تأثير النزعة الإنسانية في التفكير رائدا في كل قطاعات الحياة. صار اللاهوت المتطور حقا مقبولا غير متنازع عليه داخل المؤسسات العلمية. ومع أن الغالبية العظمي تؤمن بوجود الله فإن نحو90% من قادة المؤسسة التعليمية القومية ملحدون.

 

قد وصلت عقيدتهم الإلحادية إلى كل مدرسة عامة في أمريكيا بسبب دعاية التطور الطبيعي. لم يعد التطور الطبيعي يعالج كنظرية بل كحقيقة لا تقبل المجادلة. كتب أحد علماء الإحاثة (الذي يبحث في أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة) قائلا: ” في الصين يمكننا أن نوجه النقد إلي داروين لكننا لا نستطيع أن ننتقد الحكومة. في أمريكا يمكنك أن توجه النقد إلي الحكومة لكن لا يمكنك أن تنتقد داروين.”

 

لقد صار للمقدمة الإلحادية أثارا مخيفة على القيم الأخلاقية في حضارتنا، تاركة البشرية تتلاطم بين النسبية الحضارية والأخلاقية تركت الكثيرين يتشككون في القيم الأخلاقية. في بيئتنا الجديدة التي تعتبر صالحة سياسيا، يسود الاعتقاد بأن جميع الحضارات متساوية وأنها فوق أي نقد يوجه لها (تستثنى من ذلك النازية التي تتعرض للنقد) لقد تحطمت هذه الثقة في الأخلاقيات بخاصة في مجال الممارسة الجنسية وكما ذكر ريتشارد جون ديهوز: لقد بنيت قضايانا الحضارية في الوقت الحاضر على مفاهيم منحلة متغيرة في مجال الممارسة الجنسية. إن القضية الأخلاقية الجنسية أصبحت مركبة العصيان ضد القيم المسيحية”. وتوضح القوة التي تعمل في المثلية (الشذوذ الجنسي بين الذكور والممارسات الجنسية الغير طبيعية في الإناث) ضخامة الحصاد الذي نتج عن التحول بعيدا عن الإيمان المسيحي في هذا الميدان.

 

ويتضح أيضا أن” أجندة” جدول أعمال النزعة الإنسانية العلمانية لها تأثير أعظم علي حضارتنا أكبر من تأثير المسيحية التقليدية. تبتر النزعة وجهة النظر المسيحية عمدا من الميدان العام. اكتسبت النزعة الإنسانية العلمانية مهارة وتقنية ارتفعت فوق المسيحية في الأجيال الثلاث الماضية وهي تشن هجوما مركزا ومتعمدا ضد القيم المسيحية. صارت الأفكار المسيحية محاصرة في كل الميادين- متضمنة العقيدة، الفلسفة، الأخلاق، الأحياء، الاجتماع، القانون، السياسة، الاقتصاد والتاريخ. ولقد بعثت هذه النزعة في أشكالها العديدة في قادة الفكر مثل ماركس، فرويد، داروين، نيتشة، لينيين، ستالين، هدجار، ارنولد، لوكاس، جرامسكي، سانجر، ديوي، كينث، ساجان، دريدت، فوكلوت، وغيرهم – أن تستبدل المسيحية والمسيح بتعاليمه الخاصة عن الحق وهكذا أثرت في أسلوبنا في الحياة.

يوجد خراب …. ساد في الماضى لزمن ما ….. ضمير النزعة الإنسانية يخلو من الدين. لو كان أصحاب هذه النزعة على صواب في إعلانهم أن الإنسان ولد ليكون سعيدا، فإنه ولد ليكون خالدا. وإذا كان مقدرا له أن يموت فلابد أن يكون لعمله على الأرض طابع روحي أعظم

 

وعلى الرغم من التحذيرات الحكيمة التي تقدمها النزعة الإنسانية فإن علماء النزعة الإنسانية  صاروا يقدمون للشباب ما يعتبرونه بديلا ضروريا عن الإيمان المسيحي في وجهة نظر محكمة البناء تتجاهل حقيقة وجود الله. ان وجهة نظر النزعة الإنسانية هي ليست وجهة علمانية لكنها وجهة نظر دينية  أكد جون ديوي هذه الحقيقة ” توجد هنا كل عناصر العقيدة الدينية، العقيدة الكامنة في إيمان الجنس البشري. لا يمكننا أن نتجاهل هذه التضمينات. إزاء الجهود التى تحاول ابعاد المفهوم المسيحي عن الحقيقة يجب أن نفهم جيدا معتقدات خصومنا في صراع الحق. ونقدم تعاليم الكتاب المقدس في المجالات الرئيسية للفكر والحضارة البشرية. نقدم فهمنا العميق للحق الذي يعتبر سلاحنا الأعظم في هذا الصراع القائم.

 

وإن كانت قوات هذه النزعة تصطف جيدا حولنا، فإننا نعتقد أن هذا الصراع هو معركتنا الرئيسية التي يجب أن نكسبها. أن نقدم تعليم أسس الحق المسيحي للشباب ومساعدتهم على التحرك المثمر في الاندماج في الحضارة لتقديم نور الإنجيل في ظلام الفكر العصري. الحاجة هي إلى تحويل هذه الرؤى الحاسمة إلي نطاق أوسع من البشر علي شكل كتب مليئة بالحق سهل الفهم. سنكتشف الفرق بين المسيحية وبين أشكال ثلاثة من وجهات نظر النزعة الإنسانية العلمانية، الماركسية والإنسانية الكونية (حركة العصر الجديد). سنفهم ما تعلمه كل فلسفة عن المجتمع والحالة البشرية ونقارن تعاليمها الخاطئة مع الحق الإلهي في الكتاب المقدس.

 

يتساءل البعض: ألم تنهار الماركسية مع انهيار حائط برلين؟ ليس الحال هو هكذا. إن كانت أشكال الماركسية التعليمية والسياسية قد تغيرت، فإنها لا تزال تمارس تأثيرا ضخما في الميدان التعليمي وفي أيدلوجيات اقتصادية وسياسية كثيرة. العنصر السائد في وجهة نظر الماركسية (الإلحاد، المادية، التطور، القانون الوضعي، إنكار وجود النفس والروح، الإباحية الجنسية والاشتراكية)، لا يزال حيا مزدهرا في جامعات أمريكا وأجزاء أوربا، روسيا، الصين، كوبا وأمريكا اللاتينية.

 

يمكننا أن نجد كثيرا من الماركسيين في جامعات أمريكا أكثر مما نجد في الكتلة الشيوعية السابقة.   يشرف على المؤسسة التاريخية الأمريكية ماركسيون كما لو كانوا يشرفون على مؤسسة أدبية. تحولت مجالات تخصصهم إلى نوع زائف من علم الاجتماع بين كافة الطبقات والاجناس. لهذا صار من المهم أن نضع في الاعتبار هذا النفوذ الفلسفي والاقتصادي الشرير.

 

يجب إعداد المسيحيين في الانخراط في معركة لا يمكن تجاهلها. لا يجب أن نكون محايدين في صراعات ضخمة تعمل في قلوب وعقول البشر. لم يكن إيليا محايدا بل واجه أنبياء البعل والعشتاروث عند جبل الكرمل(1مل18) ولم يكن بولس محايدا وهو يواجه نزعات إنسانية إلحادية عند جبل فارس (نزعات الرواقيين والابيكوريين) في سفر الأعمال الإصحاح السابع عشر. وكان بولس يفهم بوضوح الاعتقاد الروماني والأممي وفي محاورته لهم اظهر ضعفهم (رو11: 13).

 

أيها الأحباء لا يجب أن نعمل أقل منهما، لئلا نخسر معتقداتنا التي نتمسك بها ونخسر مؤسساتنا التي بنيت على هذه المعتقدات (البيت- الكنيسة- الدولة- التعليم- العمل) كتب جيمس راسل:

لابد أن تأتي لحظة يواجهها كل رجل وامرأة في صراع الحق مع الباطل أن يقفا في جانب الخير أو جانب الشر يتخذ الرجل الشجاع قراره الحاسم بينما يقف الشخص الجبان بعيدا.

هل من السذاجة أن يدعونا الله كرجال ونساء في عبرانيين 8: 32- 40 أن نقف شجعانا ليس جبناء؟ إننى أعتقد إنها ليست سذاجة ….. لكن يتحتم عليك أن تتخذ قرارك بنفسك.

 

 

Comments are closed.