القديسة هيلانة (246-330)

ضياء الفاهمين

القديسة هيلانة (246-330)

اكتشاف الصليب والقبر المقدس

” فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَه إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ جُلْجُثَةُ، حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ.  وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ”. (يوحنا 19: 17-19)

القديسة هيلانة هي الإمبراطورة الرومانية وأم الإمبراطور قسطنطين الكبير. تعتبر هيلانة شخصية مهمة في تاريخ المسيحية. كانت هيلانه في الثمانين من عمرها، عندما قامت بزيارة سوريا وبيت لحم، تقتفي فيها اثار السيد المسيح بدءا من البشارة. ويعود إليها الفضل إلى اكتشاف الصليب والقبر المقدس الذي دفن فيه الرب يسوع. يرجح تاريخ هذه الرحلة إلى 326 – 327 م.

وُلدت القديسة هيلانة حوالي عام 246 من أبوين مسيحيين. فربّياها تربية مسيحية. تزوجت هيلانة قائد عسكري من البلقان اسمه فلأفيس قسطنطيوس، وأنجبت منه طفلًا واحدًا، اسمه قسطنطين في عام 272. تولي قسطنطيوس الأب منصب حاكم روما في عام 289. وفي عام 293، رُقي إلى رتبة قيصر، أي نائب الإمبراطور. طلقها قسطنطيوس الأب لكي يعزز طموحاته السياسية بالزواج من امرأة نبيلة. اختفت هيلانة عن الأنظار لسنوات على هذه المحنة، واهتمت بتربية ابنها قسطنطين تربية صالحة. عاودت هيلانة الظهور بعد أن أصبح ابنها قسطنطين الكبير إمبراطورًا، أظهر الابن احترامًا كبيرا لوالدته، ومنحها لقب الإمبراطورة “أوجوستا”.

أراد قسطنطين الكبير ان يأخذ روما ويصبح إمبراطور الغرب. حشد جيشه ضد عدوه بالقرب من نهر التيبر، لكن، سرعان ما أدرك أن جيش مكسنتيوس يفوق عدداً وعدة، فأدرك تفوّقهم فارتبك. وفي الليلة التي سبقت المعركة ظهر الصليب له في السماء محاطاً بأحرف بارزة من نور بهذه العلامة تغلب. قام قسطنطين إعداد صليب مماثل للصليب الذي عاينه في الرؤيا ورفعه بمثابة راية على رأس العسكر بدلا من النسور. وخاض المعركة وحقق نصراً بالغاً بنعمة الله، وقوة صليبه، وغرق مكسنتيوس وجيشه في نهر التيبر.

بعد أن أصبح قسطنطين الحاكم الوحيد للإمبراطورية الرومانية الغربية، أصدر مرسوم ميلانو عام 313 الذي ضمن التسامح الديني للمسيحيين وأمر بهدم معابد الأصنام وشيد مكانها الكنائس. ربما تكون امه هيلانة، قد أثرت عليه في هذا القرار. في عام 323، عندما أصبح الحاكم الوحيد للإمبراطورية الرومانية بأكملها شرقا وغربا، قام بتوسيع أحكام مرسوم ميلانو إلى النصف الشرقي من الإمبراطورية. بعد ثلاثمائة عام من الاضطهاد، تمكن المسيحيون أخيرًا من ممارسة عقيدتهم دون خوف. في عام 325م دعا قسطنطين ، إلى عقد المجمع المسكوني الأول، ذلك لتثبيت الإيمان المسيحي الصحيح ضد هرطقات أريوس.

لعبت فوستا، الزوجة الثانية لقسطنطين دورًا في قلب قسطنطين على ربيبها، لمصلحة أبنائها. ومن ثم استبعد قسطنطين ابنه كريسبس من الامبراطورية ثم قتل بعد ذلك.

حزنت هيلانة لهذه الأحداث الدامية وظهرت بثياب الحداد في الذكرى لتولي قسطنطين الحكم، وكشفت لابنها حقائق لم يكن يعلمها. بعد ذلك بوقت قصير اختنقت فوستا في غرفة البخار في حمامات القصر.

لم يكن لدى هيلانة الآن منافس بصفتها السيدة الأولى للإمبراطورية. بعد وقت قصير من هذا الصراع الدموي داخل الأسرة المالكة، انطلقت هيلانة في رحلة دينية إلى الأرض المقدسة. أطلق القديس أمبروز على الرحلة “حج الأم القلقة، ذهبت لترى الكنائس التي أمر الإمبراطور ببنائها في أورشليم والصلاة هناك لأجل ابنها”.

كان قسطنطين الكبير يبجل بشدة علامة النصر “صليب الرب”، وأراد أن يجد الصليب الفعلي الذي صلب عليه ربنا يسوع المسيح. بارك رحلتها إلى بيت لحم، وأرسل معها رسالة إلى الأسقف مقاريوس.

وعلى الرغم من أن هيلانة كانت متقدمة في العمر، فقد شرعت في إكمال المهمة بحماس. كانت رحلتها ممرًا ملكيًا. المدن التي سافرت عبرها استفادوا من كرمها. إلى جانب ذلك، أظهرت المحبة المسيحية ووزعت المال والسكن للفقراء والإفراج عن الأسرى وإعادة المنفيين.

بحثت عن صليب مانح الحياة، بحثت مع المسيحيين واليهود، لم يكن بحثها ناجحا. ومع ذلك، في عام 326، تم توجيهها إلى يهوذا عبراني مسن الذي ذكر أن مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ تم ردمه من قرون وشيد عليه لاحقا معبد وثني. أمرت القديسة هيلانة بهدم المعبد الوثني، والتنقيب وحفر الأرض. وسرعان ما تم الكشف عن قبر الرب. وكان بالقرب منه ثلاثة صلبان، ولوح نقش بالكتابة، وأربعة مسامير هي التي اخترقت جسد الرب.لعبت هيلانة دورا كبيرا في بناء كنائس بيت لحم وجبل الزيتون. بنت كنيسة فخمة في مكان قبر المسيح، وكنيسة في مكان صعود المخلص وكنيسة المهد فوق مغارة المهد. وكنيسة البشارة حيث الموضع الذي بشر فيه الملاك العذراء مريم. ثم عادت إلى القسطنطينية حيث رقدت في سلام.

يرتبط اسم هيلانة في تاريخ الكنيسة بأنها هي التي وجدت الصليب الحقيقي الذي صلب عليه المسيح. ويذكر أيضا أنها اكتشفت موقع صخرة الجلجثة والقبر المقدس. شهد يوسابيوس القيصري، على تقوى هيلانة، وتلوها الصلوات اليومية بالكنيسة وقبل كل شيء الهبات السخية والغنية للكنائس. وعلاوة على ذلك، حدد البابا كيرلس، في رسالته إلى قسطنطيوس الثاني، بوضوح اكتشاف الصليب في عهد قسطنطين الكبير، “تم الكشف عن الأماكن المقدسة التي كانت مخفية، كان بشكل واضح بأن القطع تم اكتشافها خلال عمليات الحفر في موقع الجلجثة نتج عنها اكتشاف الصليب”.

من الواضح أن ظروف الاكتشاف والدور الذي لعبته هيلانة بدأ يتبلور قبل نهاية القرن الرابع.  حين علق القديس يوحنا الذهبي الفم في عام 390 حول الصليب الفعلي، كما هو مكتوب في إنجيل يوحنا (19: 17-19) ” فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَه إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ جُلْجُثَةُ، حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ.  وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ”. قال يوحنا ذهبي الفم “بعد دفن الصليب، كان من المحتمل أن يتم اكتشافه في أوقات لاحقة، وأن الصلبان الثلاثة تكمن معًا؛ حتى يتم التعرف على صليب ربنا، أولاً، أن يكون في المنتصف، وثانيًا تميز بالنقش الكتابة – في حين أن صلبان اللصوص لا تحمل أي نقوش. “من الواضح أن القصة كانت معروفة أن الصليب الحقيقي كان كذلك بسبب النقش.”

بعد حوالي خمس سنوات ألقى الأسقف أمبروز من ميلانو عظة جنازة ثيودوسيوس الكبير. وأشار إلى أهمية اكتشاف هيلانة، ” لدينا ذاكرة مقدسة عن هيلانة، التي زارت حيث ولد الرب. لقد قادها الروح القدس للبحث عن الصليب. لقد حفرت الأرض، وأزالت الركام والتراب، ووجدت ثلاثة صلبان في حالة مبعثرة.  أسهب أمبروز في ناحية أخرى، إلى مسامير الصلب التي أرسلتها هيلانة إلى القسطنطينية.

في عام 397 م، عاد روفينوس أكويليا إلى إيطاليا بعد قرابة عشرين عاما أمضاها على جبل الزيتون. كتب خلالها سرد كامل لرحلة هيلانة. أرَّخَ أكويليا الرحلة إلى وقت مجمع نيقية. “بناء على رؤى إلهية، ذهبت هيلانة إلى بيت لحم واستفسرت من السكان حول مكان الصلب. علمت أنه كان تحت المعبد الوثني فينوس التي أمرت بهدمه. عندما تم الكشف عن الصلبان الثلاثة اقترح الأسقف مقاريوس، وسيلة مؤكدة لتأكيد على صليب المسيح. حيث تم اصطحابه إلى فراش سيدة مريضة بشكل خطير. وصلى المطران من أجل الإرشاد، شفيت المرأة عندما لمسها الصليب الحقيقي على الفور. أمرت هيلانة على الفور ببناء بازليك رائعة فوق المكان الذي تم العثور فيه على الصليب. ويذكر أيضًا قصة المسامير، ويضيف أن قطعة من الصليب نفسها أُرسلت إلى القسطنطينية. يذكر كيف جلست هيلانة على المائدة مع الراهبات المكرسات. في وقت لاحق، تم تأسيس دير للراهبات في المكان المقدس.

 

 

 

 

Comments are closed.